وسخت عنها نفوس قوم آخرين ، ونعم الحكم الله . وما أصنع بفدك وغير فدك ، والنّفس مظانّها في غد جدث تنقطع في ظلمته آثارها ، وتغيب أخبارها ، وحفرةٌ لو زيد في فسحتها ، وأوسعت يدا حافرها ، لأضغطها الحجر والمدر ، وسدَّ فرجها التّراب المتراكم ؛ وإنّما هي نفسي أروّضها بالتّقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر ، وتثبت على جوانب المزلق . ولو شئت لاهتديت الطّريق إلى مصفّى هذا العسل ، ولباب هذا القمح ، ونسائج هذا القزِّ ، ولكن هيهات أن يغلبني هواي ، ويقودني جشعي إلى تخيّر الأطعمة ، ولعلّ بالحجاز ، أو باليمامة من لا طمع له في القرص ، ولا عهد له بالشّبع ، أو أبيت مبطاناً وحولي بطونٌ غرثى ، وأكبادٌ حرّى ، أو أكون كما قال القائل : وحسبك داءً أن تبيت ببطنة * وحولك أكبادٌ تحنُّ إلى القدِّ أأقنع من نفسي بأن يقال : هذا أمير المؤمنين ؛ ولا أشاركهم في مكاره الدَّهر ، أو أكون أسوةً لهم في جشوبة العيش ! فما خلقت ليشغلني أكل الطّيّبات ، كالبهيمة المربوطة ؛ همّها علفها ، أو المرسلة ؛ شغلها تقمّمها ، تكترش من أعلافها ، وتلهو عمّا يراد بها ، أو أترك سدى ، أو أهمل عابثا ، أو أجرّ حبل الضّلالة ، أو أعتسف طريق المتاهة ! وكانّي بقائلكم يقول : إذا كان هذا قوت ابن أبي طالب ، فقد قعد به الضّعف عن قتال الأقران ، ومنازلة الشّجعان . ألا وإنّ الشّجرة البرّيّة أصلب عوداً ، والرّواتع الخضرة أرقّ جلودًا ، والنّابتات العذية أقوى وقودًا ، وأبطأ خمودًا . وأنا من رسول الله كالضّوء من الضّوء ، والذّراع من العضد ؛ والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما ولّيت عنها ، ولو أمكنت الفرص من رقابها لسارعت إليها ، وسأجهد في أن أطهّر الأرض من هذا الشّخص المعكوس ، والجسم المركوس ،