نام کتاب : سر الإسراء في شرح حديث المعراج نویسنده : الشيخ علي سعادت پرور جلد : 1 صفحه : 83
فالزهد للدنيا ، هو الذي ابتلى به جماعة من أبنائها ، وهو أنهم لا يتمتعون من نعيمها الحاصلة لديهم ، وإنما يكتفون بلذة اقتنائها وإبقائها والتفرج بالنظر لها . وهذا ليس بمطلوب شرعا . وأما الزهد من الدنيا ، فان كان للحذر عن الابتلاء بتبعاتها في هذا العالم ولم يكن موجبا للغفلة عن الآخرة ولا مانعا منها ، فهو أمر مطلوب ، وكذا عن إصابة الزائد من الدنيا والتمتع بها طول الحساب والموقف في عالم الحشر فيكون مطلوبا أيضا ، وأما إذا كان لغير هذين الغرضين فليس بمطلوب . وأما الزهد في الدنيا ، فلا يكون مقدورا لكل انسان ، بل صاحبه يحتاج إلى قوة معنوية ومجاهدة بليغة ونفس مطمئنة ، بحيث يملك الدنيا وهو بعد متجاف عنها غير متوجه إليها ولا مشغول بها عن الله تعالى ، كما قال تعالى في وصفهم : ( رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ) [1] وقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا ! لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ) [2] وجملة الحديث مشيرة إلى مثل هذا الزهد ، كما أن الآيات والروايات الماضية الناهية عن الدنيا والتمتع بها ناظرة إلى هذا الامر ، كي لا ننظر إليها نظر استقلال ، ولا نكون بما في أيدينا أوثق بما عند الله . وهذا الزهد هو الذي يؤدي إلى إثبات الحكمة في القلب ، ورؤية عيوب الدنيا ، والخروج من الدنيا سالما إلى دار السلام ، وتفرغ القلوب للآخرة ، ووجدان حلاوة حب الله ، وغيرها من الآثار . وتدل على هذا المعنى الآيات والروايات التي سنذكرها في ذيل جملة ( وارغب في الآخرة ) . والله أعلم .