نام کتاب : سر الإسراء في شرح حديث المعراج نویسنده : الشيخ علي سعادت پرور جلد : 1 صفحه : 71
الزاهد في الدنيا . قال : ( الذي يترك حلالها مخافة حسابه ، ويترك حرامها مخافة عقابه . ) [1] أقول : إن الله تعالى خلق الانسان أجوف ، بحيث يحتاج إلى الاكل . ومن المعلوم أنه كما لم يخلق أصل العالم عبثا ، فكذلك خصوصياته فإنها لم تخلق عبثا . ويتأكد الامر في خلق الانسان الذي هو أشرف المخلوقات ، فخلق الانسان أجوف بحيث يتناول الطعام والشراب ويسد بهما جوعته ويديم على حياته ، إنما يكون للتمكن من الوصول إلى الغرض والهدف من خلقته ، التي هي العبودية والمعرفة ، وهكذا الامر في حاجة الانسان إلى الملابس والمساكن والمناكح وغيرها مما يقتضيه طبع الانسان ، فلو كان الاكل مثلا مانعا من وصول الانسان إلى مقصده وهدفه ، لصار قبيحا بنظر العقل ، ومحرما أو مكروها بنظر الشرع ، مع أنه تعالى لم يردع عنه ، بل أمر به بشرائطه وحدوده . فقد ظهر مما مر أنه ليس المراد من هذه الفقرة ونظائرها وكذلك الآيات والأحاديث في الباب ، حث الانسان وتحريضه على ترك الاكل مطلقا ، ونهيه عن تناول الطعام والشراب ، بل لسان كل واحدة منها يشير إلى جهة من الجهات الراجعة إلى أمر الاكل ، كأن يكون الاكل من الحلال الطيب ، ولزوم اجتناب الآكل من السرف ، ووجوب الشكر لمنعم الطعام ، وتحديد الاكل كما ، وغيرها من الأمور التي تلائم طبع الانسان وفطرته وتنطبق على ما تقتضيه خلقته . ونرجو أن يكون هذا البيان الناقص منا هاديا لأولي الألباب ، يفتح السالك به طريقه إلى رب الأرباب ، ويهديه إلى الحق الصواب ، ويسهل به بعض المعضلات الصعاب ، وينحل به بعض رموز السنة والكتاب ، بعون الله الملك الوهاب . بل نرجو أن يكون بياننا هذا طريقا لجمع شتات ما ورد في مواضع من هذا الحديث من الحث على الجوع والصوم ، وإن كان الامر أوضح من أن يخفى على أهل التحقيق بعد الجمع بين الآيات والروايات الواردة في الباب .