نام کتاب : روائع نهج البلاغة نویسنده : جورج جرداق جلد : 1 صفحه : 9
حدود العقل والقلب وكان شديدا قاصفا ، مزمجرا ، كالرعد في ليالي الويل ! والينبوع هو الينبوع لا حساب في جريه لليل أو نهار . من تتبع سير العظماء الحقيقيين في التاريخ لا فرق بين شرقي منهم أو غربي ولا قديم ومحدث ، أدرك ظاهرة لا تخفى وهي أنهم ، على اختلاف ميادينهم الفكرية وعلى تباين مذاهبم في موضوعات النشاط الذهني ، أدباء موهوبون على تفاوت في القوة والضعف . فهم بين منتج خلاق ، ومتذوق قريب التذوق من الإنتاج والخلق . حتى لكأن الحس الأدبي ، بواسع دنيواته ومعانيه وأشكاله ، يلزم كل موهبة خارقة في كل لون من ألوان النشاط العظيم . فنظرة واحدة إلى الأنبياء ، مثلا ، تكفي لتقرير هذه الظاهرة في الأذهان . فما داود وسليمان وأشعيا وأرميا وأيوب والمسيح ومحمد إلا أدباء أوتوا من الموهبة الأدبية ما أوتوا من سائر المواهب الخاصة بهم . وهذا نابليون القائد ، وأفلاطون الفيلسوف ، وباسكال الرياضي ، وباستور العالم الطبيعي ، والخيام الحسابي ، ونهرو رجل الدولة وديغول السياسي ، وابن خلدون المؤرخ ، إنهم جميعهم أدباء لهم في الأدب ما يجعلهم في مصاف ذوي الشأن من أهله . فلكل منهم لون من ألوان النشاط الفكري حدده الطبع والموهبة ، ثم رعت النزعة الجمالية ما دخل منه في نطاق التعبير ، فإذا هو من الأدب الخالص . هذه الحقيقة تتركز جلية واضحة في شخصية علي بن أبي طالب فإذا هو الإمام في الأدب ، كما هو الإمام في ما أثبت من حقوق وفي ما علم وهدى ، وآيته في ذلك ( نهج البلاغة ) الذي
9
نام کتاب : روائع نهج البلاغة نویسنده : جورج جرداق جلد : 1 صفحه : 9