نام کتاب : روائع نهج البلاغة نویسنده : جورج جرداق جلد : 1 صفحه : 78
يوم عن جديد ، وتبني كل يوم جديدا ، إلا دليل عن الإيمان بثورية الحياة الخيرة وإمكانات الأحياء . فالمعرفة لديه كشف وفتح لا يهدآن . وهو بهذا الإيمان وهذه الثقة يخاطب أبناء زمانه يقول : ( لا تقسروا أولادكم على أخلاقكم ، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم ) . فلولا تفاؤله العظيم بأن في الحياة جمالا ، وبأن في الناس قابلية التطور إلى الخير ، لما أطلق هذا القول الذي يوجز علمه بثورية الحياة ، ويوجز تفاؤله بإمكانات الإنسان المتطور مع الحياة ، كما يوجز روح التربية الصحيحة ، ويخلص كل جيل من الناس من أغلال العرف والعادة التي ارتضاها لنفسه جيل سابق . ولابن أبي طالب في هذا المعنى قول كثير منه هذه الآيات الخالدة التي يمجد بها العمل بوصفه حقيقة وثورة وخيرا 6 ( من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه ) و ( قيمة كل امرئ ما يحسنه ) و ( اعلموا أن الناس أبناء ما يحسنون ) و ( لكل امرئ ما اكتسب ) . ومن أقواله ما يدفع به المرء إلى أن يطلب التقدم بالعمل ، وألا يحجم أو يتراجع إذا هو أخفق كثيرا أو قليلا ، لأن الوجود الخير لا يحرم أبناءه ما يستحقون . وإذا هو حرمهم فبعض الحرمان لا كله . وقد يسوى الأمر في دفعة ثانية من الطلب بواسطة العمل . ومن قوله في ذلك هذه الآية : ( من طلب شيئا ناله أو بعضه ) . وأظن أن القارئ فطن إلى روح هذه العبارة التي تتألق وكأنها انبثاق عن كلمة المسيح الشهيرة : ( اقرعوا اقرعوا يفتح لكم ) . ولعل أجمل ما في المذهب العلوي بهذا الشأن ، أن صاحبه كان يوحد ثورية الحياة وخير الوجود نصا كما كان يوحدهما روحا ومعنى . فلشد ما نراه يوحد معنى التطور ، أو ثورية الحياة ، بمعنى خير الوجود توحيدا لا يجعل هذا شيئا من تلك ، ولا تلك شيئا من هذا ، بل يجعل ثورية الحياة كلا من خير الوجود ، وخير الوجود كلا من ثورية الحياة . وإن في آياته هذه لدليلا كريما على صحة ما نقول فليس فيها ما يحتاج إلى شرح أو تعليق . وإليك نموذجا عنها : ( العاقل من كان يومه خيرا من أمسه ) و ( من كان
78
نام کتاب : روائع نهج البلاغة نویسنده : جورج جرداق جلد : 1 صفحه : 78