نام کتاب : روائع نهج البلاغة نویسنده : جورج جرداق جلد : 1 صفحه : 65
استخف به صاحبه ، من ذنب عظيم عاد مقترفه إلى الرجوع عنه في الحال : ( أشد الذنوب ما استخف به صاحبه ) . وينهاك علي عن التسرع في القول والعمل لأنه مدعاة إلى السقوط وعلى الإنسان المهذب ألا يبيح نفسه لأية سقطة : ( أنهاك عن التسرع في القول والعمل ) . وهو يريدك أن تعتذر لنفسك من كل ذنب أذنبت إصلاحا لخلقك ، ولكنه ينبهك تنبيها عبقري الملاحظة والبيان إلى أن الإنسان لا يعتذر من خير ، فعليه إذن ألا يفعل ما يضطره إلى الاعتذار : ( إياك وما تعتذر منه فإنه لا يعتذر من خير ) . ومنعا للاشتغال بعيوب الناس وإغفال عيوب النفس ، وفي ذلك ما يدعو إلى سوء الخلق والمسلك سلبا وإيجابا ، يقول علي : ( أكبر العيب أن تعيب ما فيك مثله ) و ( من نظر في عيب نفسه اشتغل عن عيب غيره ) . وإذا أتى القبيح من مصدر عليك أن تنكره أولا ، فإن لم تستطيع ذلك تحتم عليك ألا تستحسنه لئلا تصبح شريكا فيه : ( من استحسن القبيح كان شريكا فيه ) وإذا كان التعاطف بين الناس ضرورة أخلاقية لأنه ضرورة وجودية على ما مر معنا في الفصل السابق ، فإن منطق العقل والقلب يأمر بأن يكون عطفك على من أنطقك وأحسن إليك أكثر وأوسع . وفي ذلك يقول علي : ( لا تجعلن ذرب لسانك على من أنطقك وبلاغة قولك على من سددك ) . ثم يقول : ( وليس جزاء من عظم شأنك أن تضع من قدره ، ولا جزاء من سرك أن تسوءه ) . ويهاجم الحرص والكبرياء والحسد لأنها سبيل إلى الانحدار الخلقي : ( الحرص والكبر والحسد دواع إلى التقحم في الذنوب ) . وإذا كان الأخلاقيون القدماء يذمون البخل فلأنه في نظرهم صفة مذمومة لذاتها . أما عند ابن أبي طالب الذي يرصد الأخلاق بنظرة أشمل وفكر أعمق ، فالبخل ليس مذموما لذاته قدر ما هو مذموم لجمعه العيوب كلها ، ولدفعه صاحبه إلى كل سوءة في الخلق والمسلك . فالبخيل منافق ، معتد ، مغتاب ، حاسد ذليل ، مزور ، جشع ، أناني ، غير عادل . يقول علي : ( البخل جامع لمساوئ العيوب ) . ويطول بنا الحديث ويتسع إذا نحن شئنا أن نورد تفاصيل مذهب ابن أبي طالب في الأخلاق وتهذيب النفس ، فهي كثيرة لم تترك حركة من حركات الإنسان إلا صورتها ووجهتها . وإذا قلت إن مثل هذا العمل طويل واسع شاق فإني أعني ما أقول . وما
65
نام کتاب : روائع نهج البلاغة نویسنده : جورج جرداق جلد : 1 صفحه : 65