نام کتاب : روائع نهج البلاغة نویسنده : جورج جرداق جلد : 1 صفحه : 51
وقوة التمثيل ثم في قوة البيان عما ثاهدوه ووثقوا به . فمنهم من لحظ هذا التكافؤ في بعض مظاهر الكائنات فأعلن عن ذلك إعلانا فيه بعض البيان عن الحقيقة . ومنهم من رآه في مظاهر الكون الصامت جميعا ولكنه لم يستشعر له نتائج محسوسة في مجرى الوجود ولم يجد له خطا موازيا في مظاهر الكون الحي . ومنهم من لحظه في الطبيعة الصامتة واستشعر له نتائج محسوسة في مجرى الوجود ورأى له خطا موازيا في الكائنات الحية وأعلن عنه بأجلى بيان وأوثق كلام . من هذا الفريق علي بن أبي طالب . بل قل إنه في طليعة هذا الفريق من المفكرين الأوائل لأنه كاد يثبت هذه النظرية على نهج سليم قويم لا يتعارض ولا يتناقض ولا مهرب لبعضه من بعض . بل قل إنه فعل ذلك وأبدع . ولعل موقف ابن أبي طالب مما لحظه ورآه من مظاهر التكافؤ في الوجود أجل من مواقف زملائه المفكرين من الناحية العملية . وذلك بما ألح عليه من تأكيد لهذه الحقيقة ، توصلا إلى ما يترتب عليها من نتائج في حياة الناس أفرادا وجماعة . وهذا الواقع ينسجم كل الانسجام مع محور الفلسفة العلوية الذي هو : الإنسان . قلنا إن عليا يرى الوجود متكافئا ما نقص منه شئ هنا إلا وزاد فيه شئ هناك ، وأن هذا النقص وهذه الزيادة يتساويان لا زيادة إلا بمقدار النقص ولا نقص إلا بقدر الزيادة . فيقول أول ما يقول ، منبها الإنسان إلى هذه الحقيقة عن طريق ألصق الأشياء به ، أي عن طريق وجوده ذاته : ( ولا يستقبل يوما من عمره إلا بفراق آخر من أجله ! ) وهل من خاطرة في ذهن إنسان يمكنها أن تدحض هذه الحقيقة التي تعرض تعادلية الوجود بأبسط ما يراه المرء من حال الوجود ؟ ثم هل من قاعدة رياضية من قواعد الهندسة والجبر ألصق بالحقائق الثابتة ، وأدل على الواقع المطلق ، وأوجز في تبيان الثابت والمطلق ، من هذه الآية التي يصور بها ابن أبي طالب تعادلية الوجود من خلال الكائن الحي ، ومن أيامه ؟ وإذا قال لي قائل إن هذه الفكرة معلومة يعرفها الناس كل الناس ، فعن أية حقيقة جديدة يكشف ابن أبي طالب في زعمك إذن ؟ قلت : إن الكشف عن الحقائق الخافية لا يستلزم السكوت عن الحقائق الظاهرة إذا كانت هذه أصلا لتلك ، أو تلك أصلا لهذه
51
نام کتاب : روائع نهج البلاغة نویسنده : جورج جرداق جلد : 1 صفحه : 51