responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : روائع نهج البلاغة نویسنده : جورج جرداق    جلد : 1  صفحه : 43


ففي هذين القولين من التعبير عن عدالة الكون والناس من موجوداته ما لا يحتاج إلى كثير من الايضاح . فحقوق العباد - على لسان علي - يكافئ بعضها بعضا . فهي أشبه ما تكون بحق الماء على الريح ، والنبتة على الماء ، والماء على الشمس ، والشمس على قانون الوجود . وهذه السنة التي تفرض على الإنسان ألا يستحق شيئا من الحقوق إلا بأدائه حقوقا عليه ، ليست إلا سنة الكون العادلة القائمة بهذا العدل .
ولينظر القارئ في هذا الأمر نظرا سديدا ثم ليقل رأيه في ما رأى . فإنه إن فعل أدرك لا شك أن هذه القاعدة التي بلغ ابن أبي طالب بها إلى جذور العدالة الكونية ، ثابتة لا تغير نفسها ولا شذوذ ينقضها .
فعناصر هذا الكون لا تأخذ إلا قدر ما تعطي ، ولا يكسب بعضها إلا ما يخسره بعضها الآخر . فإذا أخذت الأرض من الشمس نورا ودفئا ، أعطت الوجود من عمرها قدر ما أخذت . وكذلك إذا أخذت من الليل ظلا يغمرها . وإذا تناولت الزهرة من عناصر الكون الكثيرة ما يحييها وينميها ويعطيها عبيرا شهيا ، فلسوف يأخذ النور والهواء من لونها وعطرها بمقدار ما أعطياها ، حتى إذا تكامل انعقادها وبلغت قمة حياتها ، تعاظم مقدار ما تدفعه من عمرها ، فإذا بالحياة والموت يتنازعانها حتى تسلم إليه أوراقها وجذعها .
أما الأرض فتبتلع منها كل ما كانت قد منحتها إياه .
والبحر لا يستعيد إلى جوفه إلا ما أعطى السماء من غيوم والبر من أمطار .
وكذلك الإنسان في حياته الخاصة . فهو لا يحظى بلذة إلا بفراق أخرى يدفعها ، قاصدا أو غير قاصد عوضا عما أخذ . وهو لا يولد إلا وقد تقرر أنه سيموت . يقول على :
( ومالك الموت هو مالك الحياة ! ) وعن هذا التوازن الحكيم في قانون الكون برحابه وأفلاكه ، وأرضه وسمائه ، وجامداته وأحيائه ، يعبر ابن أبي طالب بهذه الكلمة التي تجمع سداد الفكر إلى عنف الملاحظة إلى عبقرية البساطة : ( ولا تنال نعمة إلا بفراق أخرى ! ) ولينظر الناظرون في هذا القول فإنهم إن فعلوا وثقوا بأنه الواقع الذي يرتسم كلمات هي أشبه بالقاعدة الرياضية التي لا يمكن الخروج عليها .

43

نام کتاب : روائع نهج البلاغة نویسنده : جورج جرداق    جلد : 1  صفحه : 43
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست