تفسير ظهور هذا الحكم في العصور المتأخرة :
ولكن بالرغم من هذا الوضوح الفقهي بالنسبة إلى أصل تشريع هذا الخمس توجد بعض الأبعاد الغامضة التي اقترنت مع هذا التشريع تحتاج إلى شيء من التفسير والتوضيح .
الأول : الغموض الناشئ من عدم معرفة هذا الخمس على مستوى عموم المسلمين والأمة الاسلامية ، حيث لا يوجد لهذا القسم من الخمس عين ولا أثر في صدر الاسلام إلى عهد الصادقَين ( عليهما السلام ) [1] ؛ مع أن أرباح المكاسب من الأمور التي كان لها وجود منذ الصدر الأول للاسلام وفي زمن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، الأمر الذي يثير التساؤل حول ثبوت الخمس في أرباح المكاسب .
الثاني : أن هذا الحكم الشرعي لم يكن معروفاً أيضاً - كما يبدو - حتى في أوساط الجماعة الصالحة من أتباع أهل البيت ( عليهم السلام ) مع وجود هذه الأرباح من ناحية ، ووجود الارتباط بين أهل البيت ( عليهم السلام ) وأتباعهم من ناحية أخرى .
أما تفسير الغموض الأول فيمكن أن نرجع فيه إلى بحثنا حول ( مرجعية أهل البيت الدينية ) ، حيث عرفنا أنّ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لم يبيّن جميع الأحكام الاسلامية على المستوى العام للمسلمين لأسباب موضوعية ترتبط بالنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وبالأمة نفسها ، وإنما بيّن ذلك على المستوى الخاص وهو الإمام علي ( عليه السلام ) وبعض الخاصة من أصحابه . وأرجع النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الأمة في معرفة هذه الأمور مستقبلاً إلى أهل البيت ( عليهم السلام ) ، كما دلّت على ذلك النصوص المأثورة عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مثل حديث الثقلين وغيره ، وكما اعترف بذلك الخلفاء بعد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ويشير إليه رجوعهم إلى الإمام علي ( عليه السلام ) في حل المعضلات الشرعية .

[1] مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 196 . ولكن بعد ذلك حاول أن يجد له بعض الأثر فيما أُثر عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، كما ورد في صحيح البخاري ، راجع : صفحة 197 .

418