( 9 ) ودرسنا بعمق وشمول سيرة ملوك بني العباس الذين عاصرهم الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، فقد كانت سيرتهم شبيهة إلى حد بعيد بسيرة ملوك الأمويين الذين اتخذوا مال الله دولا ، وعباد الله خولا ، وليس في سيرتهم بعد الدراسة الجادة أي جد أو نشاط للعمل الصالح ، وما ينفع المسلمين ، وانما كانت سيرهم غنية بالملذات ، وثرية بالشهوات ، فقد انفقوا علي لياليهم الحمراء ، في بغداد ، الملايين من أموال المسلمين ، وقد حظي بالثراء من قبلهم المغنون والعابثون والماجنون ، في حين أن الفقر والبؤس قد اخذا بخناق الناس . وكان من مظاهر حكمهم أن شرعت سياطهم ، وشهرت سيوفهم ، وفتحت أبواب سجونهم للأحرار ، وفي طليعتهم السادة العلويون الذين كانوا يطالبون بتحقيق العدالة الاجتماعية وقد لاقى الزراع ، وذوو الحرف ، وأرباب الصناعات ضروبا قاسية ومرهقة من المحن والخطوب من الجباة الذين كانوا يجلبون الخراج وسائر الضرائب ، فكانوا يأخذونها بمنتهى الشدة ، والقسوة ، إذ قد الهبت سياطهم أبدان الناس ، وامعنوا في ظلمهم إلى حد بعيد . ( 10 ) أما دراسة التأريخ الاسلامي فيجب أن تكون موضوعية ونزيهة وبعيدة عن التيارات المذهبية ، والعواطف التقليدية ، فقد خلط التأريخ بكثير من الموضوعات أوجبت خفاء الحق ، وستر الحقائق ، فمن الواجب بذل المزيد من الجهد لمعرفة الصحيح من السقيم ، والحق من الباطل . وكان من بين ما مني به التأريخ من الخلط والخبط اضفاء النعوت الكريمة ، والألقاب العظيمة على الكثيرين من ملوك بني أمية وبني العباس ، فقد لقبوا بخلفاء الله في الأرض ، وهذا اللقب الكريم يمثل الحق ، والعدل ، والقانون ، وأعوذ بالله أن يتصف به أمثال يزيد ومروان والوليد ، وأمثالهم من ملوك بني العباس الذين حولوا حياة الناس إلى جحيم لا يطاق . إن بعض المؤرخين والكتاب يرون أن المقياس في سمو الشخص وعظيم مكانته استيلاؤه على كرسي الحكم ، وتسلمه لزمام السلطة العامة في البلاد ، وهذا ليس بصحيح اطلاقا ، فان المقياس في الفكر الاسلامي هو ما يسديه الحاكم من