لقد أعرب النوفلي عن مخاوفه من هؤلاء الذين يحاججهم الامام لأنهم لا يبغون الوصول إلى الواقع ، والتعرف على الحق ، وهم دوما يعتمدون على المغالطات للوصول إلى أهدافهم الرخيصة . وأزال الامام ما في نفس النوفلي من المخاوف قائلا " أتخاف أن يقطعوا علي حجتي ؟ . . " . : انهم أمام بحر من العلم ، وطاقات هائلة من الفضل ، فكيف يقطعون على الامام حجته ، وسارع النوفلي فقال : " لا والله ما خفت عليك قط ، وإني لأرجو أن يظفرك الله بهم ، إن شاء الله . . " . وانبرى الامام قائلا : يا نوفلي ، أتحب أن تعلم متى يندم المأمون ؟ . . " . نعم . . " . " إذا سمع احتجاجي على أهل التوراة بتوراتهم ، وعلى أهل الإنجيل بإنجيلهم ، وعلى أهل الزبور بزبورهم ، وعلى الصابئين بعبرانيتهم ، وعلى أهل الهرابذة بفارسيتهم ، وعلى أهل الروم بروميتهم ، وعلى أهل المقالات بلغاتهم ، فإذا قطعت كل صنف ، ودحضت حجته ، وترك مقالته ، ورجع إلى قولي ، علم المأمون أن الذي هو بسبيله ليس بمستحق له ، فعند ذلك تكون الندامة ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . . . " . لقد كشف الامام عليه بهذه الكلمات عما يملكه من ثروات علمية لا تحد ، وانه باستطاعته أن يناظر جميع أهل الأديان والمذاهب ، ويفند أوهامهم ، ويوضح لهم الحق ، وإذا استبان ذلك للمأمون فإنه يندم على هذه الاجراءات ، ويظهر له أنه على غير صواب . ولما انقضى النهار ، واقبل اليوم الثاني خف الفضل بن سهل مسرعا إلى الإمام ( عليه السلام ) ، فقال له : " جعلت فداك ان ابن عمك - يعني المأمون - ينتظرك ، اجتمع القوم ، فما رأيك في اتيانه ؟ . . . " . فأجابه الامام أنه مستعد للحضور ، وانه قادم على المأمون ، وخرج الامام ، وهو بهيبة تعنو لها الجباه ، فكان يلهج بذكر الله ودخل على المأمون وكان المجلس