أوعز إلى وزيره الفضل بن سهل أن يجمع له الاعلام المتكلمين من أصحاب المقالات والأديان ، مثل الجاثليق [1] . ورأس الجالوت [2] ، والهربذ الأكبر [3] وأصحاب زردهشت [4] ونسطاس الرومي [5] وسائر المتكلمين فجمعهم الفضل في بلاط المأمون ، ثم أدخلهم عليه فقابلهم بمزيد من الحفاوة والتكريم ، وعرض عليهم ما يرومه قائلا : " إنما جمعتكم لخير ، وأحببت أن تناظروا ابن عمي المدني ، القادم علي ، فإذا كان بكرة فاغدوا علي ، ولا يتخلف منكم أحد . . . " . فأجابوه بالسمع والطاعة ، والامتثال لامره ، وأمر المأمون ياسر الخادم أن يدعو الامام لمناظرة علماء الأديان في اليوم الثامن ، فخف ياسر إلى الامام وأبلغه مقالة المأمون فأجابه إلى ذلك والتفت الامام إلى الحسن بن محمد النوفلي فقال له : " يا نوفلي أنت عراقي ، ورقة العراقي غير غليظة ، فما عندك في جمع ابن عمي علينا أهل الشرك وأصحاب المقالات . . " . وعرف النوفلي غاية المأمون ، فقال للامام : " جعلت فداك يريد الامتحان ، ويحب أن يعرف ما عندك ، ولقد بنى على أساس غير وثيق البنيان ، وبئس والله ما بنى . . " . وسارع الامام قائلا : " وما بناؤه في هذا الباب ؟ . . . " . وعرض النوفلي على الامام ما يحذره ويخافه عليه منهم قائلا : " ان أصحاب الكلام والبدع خلاف العلماء وذلك أن العالم لا ينكر غير المنكر ، وأصحاب المقالات والمتكلمون ، وأهل الشرك أصحاب انكار ومباهتة ، إن احتججت عليهم بأن الله واحد ، قالوا : صحيح وحدانيته ، وإن قلت : إن محمدا ( صلى الله عليه وآله ) رسول ، قالوا : ثبت رسالته ، ثم يباهتون الرجل - وهو مبطل عليهم بحجته - ويغالطونه حتى يترك قوله ، فاحذرهم جعلت فداك . . . " .
[1] الجاثليق : رئيس الأساقفة . [2] الجالوت : هو أحد علماء اليهود . [3] الهربذ : هو من علماء الهنود . [4] في نسخة : " زرادشت " وهو من تلاميذ بعض الأنبياء ، وقيل : إنه مرسل من قبل بعض الأنبياء إلى بني إسرائيل . [5] النسطاس : عالم بالطب .