نفسها ذكرتها فردا ، فقلت : ا ب ت ث ج ح خ حتى تأتي على آخرها ، فلم تجد لها معنى غير أنفسها ، وإذا ألفتها وجعلت منها أحرفا ، وجعلتها اسما وصفة لمعنى ، ما طلبت ، ووجه ما عنيت ، كانت دليلة على معانيها داعية إلى الموصوف بها ، أفهمته ؟ " نعم " . وواصل الامام حديثه في بيان معاني الحروف عند تركيبها قائلا : " واعلم أنه لا يكون صفة لغير موصوف ، ولا حد لغير محدود ، والصفات والأسماء كلها تدل على الكمال ، والوجود ولا مثال على الإحاطة ، كما تدل الحدود التي هي التربيع والتثليث ، والتسديس ، لان الله عز وجل تدرك معرفته بالصفات والأسماء ، ولا تدرك بالتحديد ، بالطول والعرض ، والقلة والكثرة ، واللون والوزن ، وما أشبه ذلك وليس يحل بالله ، وتقدس شئ من ذلك حتى يعرفه خلقه بمعرفتهم أنفسهم بالضرورة التي ذكرنا . ولكن يدل على الله عز وجل بصفاته ، ويدرك بأسمائه ، ويستدل عليه بخلقه حتى لا يحتاج في ذلك الطالب المرتاد إلى رؤية عين ، ولا استماع أذن ، ولا لمس كف ، ولا إحاطة بقلب ، ولو كانت صفاته جل ثناؤه لا تدل عليه ، وأسماؤه لا تدعو إليه ، والمعلمة من الخلق لا تدركه لمعناه كانت العبادة من الخلق لأسمائه وصفاته دون معناه ، فلولا ان ذلك كذلك لكان المعبود الموحد غير الله لان صفاته وأسماءه غيره . . أفهمت يا عمران ؟ " نعم يا سيدي زدني . . . " وواصل الامام حديثه الممتع ، وقد استولى على من حضر من العلماء والقادة ، قائلا : " إياك وقول الجهال من أهل العمى والضلال الذين يزعمون أن الله جل وتقدس موجود في الآخرة للحساب في الثواب والعقاب ، وليس بموجود في الدنيا للطاعة والرجاء ولو كان في الوجود لله عز وجل نقص واهتضام لم يوجد في الآخرة أبدا ، ولكن القوم تاهوا وعموا ، وصموا عن الحق من حيث لا يعلمون ، وذلك قوله عز وجل : ( ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا ) [1] يعني أعمى عن الحقائق الموجودة ، وقد علم ذوو الألباب ان الاستدلال على ما هناك لا