فهي صفات محدثة ، وترجمة يفهم بها من فهم . واعلم أن الابداع والمشيئة والإرادة معناها واحد ، وأسماؤها ثلاثة ، وكان أول ابداعه ومشيئته وارادته التي جعلها أصلا لكل شئ ، ودليلا على كل شئ مدرك ، وفاصلا لكل مشكل ، وبتلك الحروف تفريق كل شئ من اسم حق وباطل أو فعل أو مفعول ، أو معنى أو غير معنى ، وعليها اجتمعت الأمور كلها ولم يجعل للحروف في ابداعه لها معنى غير أنفسها ، تتناهى ولا وجود لها ، لأنها مبدعة بالابداع . والنور في هذا الموضع أول فعل الله الذي هو نور السماوات والأرض ، والحروف هي المفعول التي عليها مدار الكلام ، والعبادات كلها من الله عز وجل علمها خلقه ، وهي ثلاثة وثلاثون حرفا ، فمنها ثمانية وعشرون حرفا تدل على لغات العربية ، ومن الثمانية والعشرين اثنان وعشرون حرفا تدل على لغات السريانية والعبرانية ، ومنها خمسة أحرف متحرفة في ساير اللغات من العجم والأقاليم ، واللغات كلها ، وهي خمسة أحرف تحرفت من الثمانية والعشرين حرفا من اللغات فصارت الحروف ثلاثة وثلاثين حرفا ، فأما الخمسة المختلفة " فيتجنح " لا يجوز ذكرها أكثر مما ذكرناه ثم جعل الحروف بعد احصائها ، واحكام عدتها فعلامته كقوله عز وجل : ( كن فيكون ) وكن منه صنع ، وما يكون به المصنوع ، فالخلق الأول من الله عز وجل الابداع لا بوزن له ، ولا حركة ، ولا سمع ، ولا لون ، ولا حس ، والخلق الثاني الحروف ، لا وزن لها ، ولا لون ، وهي مسموعة موصوفة ، غير منظور إليها ، والخلق الثالث ما كان من الأنواع كلها محسوسا ، ملموسا ، ذا ذوق منظور إليه والله تبارك وتعالى سابقا للحروف ، والحروف لا تدل على غير نفسها وبهر المأمون ، ولم يفهم أكثر محتويات هذه الكلمات العميقة التي تحتاج إلى وقت طويل لبيانها ، وقال للامام : " كيف لا تدل - أي الحروف - على غير أنفسها ؟ . . . " . فأجابه الامام موضحا له الامر قائلا : " إن الله تبارك وتعالى لا يجمع منها شيئا لغير معنى أبدا ، فإذا الف منها أحرفا أربعة أو خمسة ، أو ستة ، أو أكثر من ذلك ، أو أقل لم يؤلفها بغير معنى ولم يكن إلا لمعنى محدث لم يكن قبل ذلك شيئا . . " . س 14 - كيف لنا بمعرفة ذلك ؟ . . . ج 14 - أما المعرفة فوجه ذلك وبيانه : إنك تذكر الحروف إذا لم ترد بها غير