وقد تحدثنا في فصل : أسباب البيعة لدى الآخرين ، وغيره من الفصول ، وسيأتي الحديث بما فيه الكفاية إن شاء الله ، تعالى . . ورأي فريق خامس يقول : إنه ( ع ) قد مات حتف أنفه ، ولا يقبل أبدا بأنه ( ع ) مات مسموما ، ويورد لذلك الحجج والبراهين التي رأى أنها كافية للدلالة على أنه ( ع ) لم يمت مسموما . ونذكر من هؤلاء ابن الجوزي ، حيث قال - بعد أن أورد خبر وفاته ، وحكى القيل بأنه دخل الحمام ثم خرج ، فقدم له طبق فيه عنب قد أدخلت فيه الإبر المسمومة ، من غير أن يظهر أثرها ، فأكله ، فمات - قال بعد ذلك : " وزعم قوم : أن المأمون سمه ، وليس بصحيح . فإنه لما مات علي توجع له المأمون ، وأظهر الحزن عليه ، وبقي أياما لا يأكل طعاما ، ولا يشرب شرابا [1] ، وهجر اللذات إلخ . . " [2] . لكن عبارة ابن الجوزي هذه تقتضي أنه ينكر أن يكون المأمون هو الذي سمه ، ولا ينكر أن يكون ( ع ) قد مات بسم غير المأمون . وقد تابعه الإربلي في كشف الغمة على ذلك ، محتجا بعين ما احتج به ، وأضاف إلى ذلك : أن سمه إياه يتنافى مع إكرامه له ، وأنه كان ينبه على علم الرضا ، وشرف نفسه وبيته إلخ . .
[1] في تاريخ اليعقوبي ج 3 ص 81 : أن المأمون بقي ثلاثة أيام مقيما عند قبر الرضا ( ع ) ، يؤتى كل يوم برغيف وملح ، فيأكله . ثم انصرف في اليوم الرابع . [2] تذكرة الخواص ص 355 .