وأبو الفداء ، وابن العبري ، واليافعي وابن خلكان . . كانوا من أولئك الذين ظلموا الحقيقة والتاريخ ، بل وأنفسهم ، عندما أرخوا للأمة الإسلامية ، وكتبوا في أحوالها ، وأوضاعها السالفة ، دون أن يراعوا الإنصاف والحيدة فيما أرخوا ، وفيما كتبوا . . ولعل من جملة سقطات هؤلاء الشنيعة ، التي لم يخف على أحد تعصبهم فيها ، وانقيادهم للحكام ، والهوى الأعمى في بيانها ، قضية : " كيفية وفاة الإمام الرضا ( ع ) . . " ، حيث ذكروا : أن سبب وفاته ( ع ) هو أنه : " أكل عنبا ، فأكثر منه ، فمات . . " [1] . وكان ابن خلدون ، الأموي النزعة ، يريد أن يتابعهم في ذلك ، حيث قال في تاريخه : " ولما نزل المأمون مدينة طوس ، مات علي الرضا فجأة ، آخر صفر من سنة ثلاث ومائتين ، من عنب أكله . " [2] . ولعله نسي ما ذكره هو نفسه من ثورة إبراهيم بن موسى على المأمون لاتهامه إياه بقتل أخيه . كما سيأتي . ما عشت أراك الدهر عجبا : وهو كلام عجيب حقا : فهل يعقل ويتصور أن يصدر هذا العمل من أي إنسان عادي ، فضلا عن الإمام ، الذي شهد بعلمه ، وحكمته ، وزهده ، كل من عرفه ، وكل من أتى من المؤرخين على ذكره ؟ ! .
[1] الكامل ج 5 ص 150 ، والطبري ج 11 ص 1030 ، وتاريخ أبو الفداء ج 2 ص 23 ، ومختصر تاريخ الدول ص 134 ، ومرآة الجنان ج 2 ص 12 ، ووفيات الأعيان طبع سنة 1310 ه ج 1 ص 321 . لكن بعضهم قد حكى سمه بلفظ : قيل . . [2] تاريخ ابن خلدون ج 3 ص 250 .