الله لما برى خلقا فأتقنه * صفاكم واصطفاكم أيها البشر فأنتم الملأ الأعلى وعندكم * علم الكتاب وما جاءت به السور [1] هذه الأبيات التي سارت بها الركبان والتي هي تعبير صادق عن هذه الحقيقة التي أشرنا إليها ، والتي كانت تقض على المأمون وكل أسلافه وأتباعه مضاجعهم ، وتنغص عليهم حياتهم . . وعليه : وإذا استطاع المأمون أن يظهر للملأ أن الإمام ( ع ) صفر اليدين مما يدعيه ، ويدعيه آباؤه من قبل ، فإنه يكون قد قضى على المصدر والأساس لكل المشاكل ، والأخطار ، وينهار المذهب الشيعي حينئذ بانهيار فكرة الإمامة فيه ، التي هي المحور ، والأساس له ، ويتحقق من ثم - حلمه الكبير ، الذي طالما جهد وشقي من أجل تحقيقه . وأعتقد : أنه لو كان تم له ما أراد ، فلسوف لا يتعرض بعد هذا للإمام ( ع ) بسوء ، وأنه كان سوف يبقى على حياته ( ع ) إبقاء لحجته ، وأنه خال من شرائط الإمامة ، وليأفل من ثم . . نجمه ، ونجم العلويين من بعده . . وإلى الأبد .
[1] شهرة هذه الأبيات تغنينا عن ذكر مصادرها ، وقد أعطاه عليه السلام ما كان معه ، وهو مئة دينار ، والبغلة التي كان يركبها . . لكن بعض الباحثين يرى أن أبا نؤاس لم يعش إلى زمان تولي الرضا العهد ، بل مات قبل ذلك بثلاث سنوات أي في سنة 198 ه . ومن ثم هو ينكر الحادثة الأخرى ، التي تقول : إن البعض لام أبا نؤاس حيث لم يمدح الإمام عليه السلام ، فقال أبياته المشهورة : " قيل لي أنت أشعر الناس طرا في فنون إلخ . . " . ولكن الظاهر أن هذا الباحث لم يطلع على عبارة ابن خلكان في وفيات الأعيان ، طبع سنة 1310 ج 1 ص 457 ، فإنه قال : " وفيه ( أي في الرضا عليه السلام ) يقول أيضا - وله ذكر في شذور العقود سنة إحدى أو اثنتين وماءتين - : مطهرون نقيات إلخ . . " . بل يكفي دلالة على أنه عاش إلى ما بعد ولاية العهد ذكر هذه الأبيات ، وتلك له والنص على أنه قد قالها فيه عليه السلام .