ولم يكن ليخفى عليه أيضا قول موسى بن عيسى ، عندما رأى عبادة الحسين بن علي وأصحابه ، في وقعة فخ : " . . هم والله ، أكرم عند الله ، وأحق بما في أيدينا منا ، ولكن الملك عقيم . ولو أن صاحب هذا القبر ( يعني النبي صلى الله عليه وآله ) ، نازعنا الملك ضربنا خيشومه بالسيف . " [1] . وهذا الدرس قد أخذه الكل عن عبد الملك بن مروان ، فإنه عندما قتل مصعب بن الزبير بكى ، وقال : " لقد كان أحب الناس إلي ، وأشدهم مودة لي ، ولكن الملك عقيم ، ليس أحد يريده من ولد ولا والد إلا كان السيف " [2] . بل وحتى نفس أخيه الأمين ، عندما لم يعد له نجاة من براثن أخيه المأمون ، نراه يتذكر هذه القاعدة ، فيقول : " هيهات ، الملك عقيم ، لا رحم له . . " [3] . ولقد عمل المأمون بهذه القاعدة ، فقتل أخاه ، وأعطى الذي جاءه برأسه مليون درهم . بعد أن سجد شكرا لله ، ونصب الرأس على خشبة ليلعنه الناس ، إلى آخر ما مر تفصيله . . وإذا كانت القضية بالنسبة إلى المأمون قضية مصير ومستقبل وقضية ملك وسلطان ، فطبيعي إذن أن نراه يخاطر بالخلافة ( وإن كنا قدمنا أن ذلك كان منه سياسة ودهاء من أجل التمهيد لفرض ولاية العهد ) ، وأقدم على التخلي عن ولاية العهد ، مع أن العباس ابنه وسائر ولده
[1] مقاتل الطالبيين ص 453 ، وثمرات الأعواد 199 ، 200 ، وشرح ميمية أبي فراس ص 74 . [2] شرح النهج للمعتزلي ج 3 ص 296 ، وطبقات ابن سعد ج 5 ص 168 ، والبداية والنهاية ج 8 ص 316 . [3] تتمة المنتهى ص 185 .