لا يحبون اتهامه به ، كالتشيع ، والحب لآل علي ( ع ) ، أو ليبرءوا ساحته من هذه التهمة ، لو فرض وجودها فعلا . . أو لعل لأنهم لم يكونوا على درجة من الوعي تؤهلهم لإدراك حقيقة ظروف المأمون ، وأهدافه من البيعة . . هذا . . وقد رأينا : أن العباسيين في بغداد ، بمجرد وصول نبأ البيعة لهم ، يتهمون الفضل بن سهل بتدبيرها [1] . . مع أنهم لم يكونوا قد اطلعوا بعد على حقيقة الأمر وواقع القضية ، وما ذلك إلا لما قلناه ، وليبقوا على علاقاتهم مع المأمون ، وليبقى باب الصلح معه في المستقبل مفتوحا . وكذلك ليحافظوا على شخصية المأمون ، حتى لا تلصق بها تهمة ، يعلمون هم أكثر من غيرهم - وأهل البيت أدرى بما فيه - ببراءته منها ، ألا وهي تهمة : الحب لعلي ، وآل بيته . ولعله أيضا لهذه الأسباب نفسها جعلوا المأمون لعبة في يد الفضل ، وأنه لا يملك معه من الأمر شيئا ، حتى لقد قالوا عنه : إنه مسجون ومسحور [2] . وإن كان لا شاهد لهذه الدعوى أصلا إلا البيعة للرضا ( ع ) ولولاها لكان العكس عندهم هو الصحيح فعلا . . جميل . . وجميل جدا . . فلقد أصبح المأمون لعبة بيد الفضل ، وإن كانت جميع الدلائل والشواهد متظافرة على العكس من ذلك . . ولو لم يكن ذلك يكفي لتبرئة المأمون ، فهم على استعداد لاتهامه بعقله ، كما قد حدث ذلك بالفعل ، فذلك عندهم خير من اتهامه بالحب لآل علي والتشيع لهم . .
[1] فقد اتهموا الفضل بذلك بمجرد وصول رسالة الحسن بن سهل إليهم ، يخبرهم فيها بأمر البيعة . راجع : الطبري ج 11 ص 1013 ، طبع ليدن وتجارب الأمم ج 6 ص 436 وغير ذلك من كتب التاريخ . [2] راجع : البداية والنهاية ج 10 ص 248 ، والطبري ج 11 ، وغير ذلك . .