ولكن أنى له أن يتركه المأمون ، الذي كان يريد التخلص منه ، من أجل أن ترضى عنه بغداد ، مضافا إلى أنه هو أيضا كان يخشاه ويخافه . فلقد كان قد أعد العدة ، وأحكم الخطة في أمره ، ولم يبق إلا التنفيذ ( كما سيأتي بيانه ) . وبعد أن يئس الفضل من إقناع المأمون ، حاول أن يحتاط لنفسه ما أمكنه ذلك . فطلب منه أن يكتب له كتاب ضمان وأمان . فاستجاب المأمون لهذا الطلب ، وكتب له كتابا [1] ، يسمى كتاب الحباء والشرط يظهر بوضوح الدور الذي لعبه الفضل في تشييد صرح خلافة المأمون ، وتوطيد سلطانه . ونلاحظ : أن المأمون قد كتب للفضل كل ما يريد ، بل وزاد على ما كان يتوقعه الفضل الشئ الكثير ، إذ لم يكن يرى في ذلك أي ضرر عليه ، ما دام أنه قد أحكم الخطة ، ودبر له النهاية . وكما رسم ودبر . كانت النهاية ! . لماذا الاصرار على اتهام الفضل : وهكذا . فإننا بعد كل ما تقدم ، لا نرى مجالا للإصرار على نسبة التشيع للفضل ، أو القول : بأن المأمون كان واقعا في أمر البيعة تحت تأثيره ، وخاضعا لإرادته ، فقد يكون الفضل قد أعطي أكثر مما يستحقه من النفوذ والقدرة . . ولعل إصرار أولئك أو هؤلاء على اتهام الفضل بذلك ، حتى وإن أنكره المأمون نفسه ، وكذبته جميع الوقائع والأحداث - لعله - يرجع إلى حرصهم على أن لا يتهم المأمون - السلطة - بما
[1] الكتاب موجود في : البحار ج 49 ص 160 ، 162 ، وعيون أخبار الرضا ج 2 ص 157 ، 159 ، وأوعز إليه اليعقوبي في تاريخه ج 2 ص 451 طبع صادر