الامام بهذا الخلق العظيم في يوم الطف فإنه لم يخضع للأمويين ولم يجزع عما ألم به من عظيم الكوارث والخطوب . كلمة عمار بن ياسر : وأقبل عمار بن ياسر وقد غامت عيناه بالدموع فودع خليله وصاحبه أبا ذر وقال له : " لا آنس الله من أوحشك ، ولا آمن من أخافك ، أما والله لو أردت دنياهم لآمنوك ، ولو رضيت أعمالهم لأحبوك ، وما منع الناس أن يقولوا بقولك : إلا الرضا بالدنيا ، والجزع من الموت ، ومالوا إلى سلطان جماعتهم عليه ، والملك لمن غلب ، فوهبوا لهم دينهم ، ومنحهم القوم دنياهم فخسروا الدنيا والآخرة ألا ذلك هو الخسران المبين . . . " . وبكى أبو ذر بكاءا مرا فألقى نظرة الوداع الأخير على أهل البيت الذين أخلص لهم وأخلصوا له ، وتكلم بهذه الكلمات التي يلمس فيها ذوب قلبه قائلا : " رحمكم الله يا أهل بيت الرحمة ، إذا رأيتكم ذكرت بكم رسول الله صلى الله عليه وآله ما لي بالمدينة سكن ولا شجن غيركم ، إني ثقلت على عثمان بالحجاز كما ثقلت على معاوية بالشام ، وكره أن أجاور أخاه وابن خاله بالمصريين [1] فأفسد الناس عليهما فسيرني إلى بلد ليس لي به ناصر ولا دافع الا الله ، والله ما أريد الا الله صاحبا ، وما أخشى مع الله وحشة . . . " . وتحركت راحلة أبي ذر ، وانصرفت به إلى الربذة مشردا عن حرم الله