فيه الابصار وتظلم فيه الأقطار وتعطل فيها صروم العشار وينفخ في الصور فتزهق كل مهجة وتبكم كل لهجة وتذل الشم الشوامخ والصم الرواسخ فيصير صلدها سرابا رقرقا ومعهدها قاعا سملقا [1] فلا شفيع يشفع ولا حميم ينفع ولا معذرة تدفع ؟ فاعملوا عباد الله [2] والألسن مطلقة والأبدان صحيحة والأعضاء لدنة والمنقلب فسيح والمجال عريض قبل إزهاق الفوت وحلول الموت [3] . وأيضا قال رضي الله عنه : أيها الناس إن الدنيا دار مجاز والآخرة دار قرار [4] فخذوا من ممركم لمقركم ولا تهتكوا أستاركم عند من يعلم أسراركم وأخرجوا من الدنيا قلوبكم من قبل أن تخرج منها أبدانكم [5] ففيها اخترتم ولغيرها خلقتم . وقال كرم الله وجهه في كتاب كتبه إلى سهل ين حنيف [ الأنصاري ] [6] : إليك عني يا دنيا فحبلك على غاربك قد انسللت من مخالبك [ وأفلت من حبائلك ] واجتنبت الذهاب في مداحضك .
[1] كذا في المختار : ( 192 ) من نهج البلاغة ، وكان في أصلي تصحيفات كثيرة صححناها بمعونة نهج البلاغة . والشم : جمع أشم : رفيع . والشوامخ : جمع شامخ : المرتفع . والصم جمع الأصم : الصلب . والصلد : الصلب . ورقرق : مضطرب . وسملق : مستو . [2] هذا هو الظاهر من السياق ، وفي أصلي : والمختار : ( 194 ) من نهج البلاغة : " فاعلموا . . . " . [3] وبعه في المختار : ( 194 ) من نهج البلاغة : فحققوا عليكم نزوله ، ولا تنتظروا قدومه . . . وأيضا قريب منه جاء في المختار : ( 92 ) من نهج البلاغة . [4] هذا هو الظاهر الموافق للمختار : ( 201 ) من نهج البلاغة ، وفي أصلي : ذات قرار . . . [5] كذا في أصلي ، وفي نهج البلاغة وغير واحد من المصادر : وأخرجوا من الدنيا قلوبكم من قبل أن تخرج منها أبدانكم . . . [6] كذا في أصلي ، غير أن فيه : " من كتاب كتبه إلى سهل بن حنيف " . والصواب أنه عليه السلام كتب هذا الكتاب - إلى عامله على البصرة - عثمان بن حنيف الأنصاري كما في المختار : ( 45 ) من الباب الثاني من نهج البلاغة ، وما وضعناه هاهنا بين المعقوفين أيضا مأخوذ من نهج البلاغة .