أنفسهم ! وكانت صفين فرصة لهم لإعلان وجودهم كطائفة لها قادتها وجنودها ومنطقها الخشن ، وميلها الدائم إلى القتال وإثبات الذات ! وكانوا الجمهور الذين لعب بعقولهم الأشعث في صفين ودفعهم إلى مواجهة علي ( عليه السلام ) فطالبوه أن يوقف القتال وقبول التحكيم والحكمين ، وإلا قتلوه أو سلموه إلى معاوية ! لكنهم بعد توقيع وثيقة التحكيم التي أجبروا علياً ( عليه السلام ) عليها ، قلبوا موقفهم رأساً على عقب ، وقالوا إنهم كفروا بقبولهم تحكيم الرجال في دين الله ، وإنهم تابوا ورجعوا إلى الإسلام ، وطلبوا من علي ( عليه السلام ) وشيعته أن يعترفوا مثلهم على أنفسهم بالكفر ، ويتوبوا ليصيروا مسلمين ! وتدل الرواية التالية على أن تغيير موقفهم حدث بعد توقيع الوثيقة مباشرة ، وأنهم واجهوا به صاحبهم وعرابهم الأشعث ! قال الطبري في تاريخه : 4 / 38 : ( خرج الأشعث بذلك الكتاب يقرؤه على الناس ويعرضه عليهم فيقرؤنه ، حتى مرَّ به على طائفة من بني تميم فيهم عروة بن أدية وهو أخو أبي بلال ، فقرأه عليهم ، فقال عروة بن أدية : تحكِّمون في أمر الله عز وجل الرجال ! لا حُكْمَ إلا لله ، ثم شدَّ بسيفه فضرب به عجز دابته ضربةً خفيفة ، واندفعت الدابة وصاح به أصحابه : أن املك يدك ، فرجع فغضب للأشعث قومه وناسٌ كثير من أهل اليمن ، فمشى الأحنف بن قيس السعدي ، ومعقل بن قيس الرياحي ، ومسعر بن فدكي ، وناس كثير من بني تميم ، فتنصلوا إليه واعتذروا فقبل وصفح ) ! انتهى . ويمكن أن نفسر هذا التغير الحاد في موقفهم ، بعد إصرارهم الحاد على إيقاف الحرب والقبول بالتحكيم ، بأن ( ماكنة ) أذهانهم تعمل بشكل غير متناسق ، فقد توصلت أذهانهم بعد خطبة الأشعث وتوجيه بعض رؤسائهم إلى وجوب التحكيم ، ثم توصلت بتوجيه بعض رؤسائهم إلى أن التحكيم كفرٌ محض !