المسألة الثالثة : هل أن آية الانقلاب تحذير أم إخبار بوقوعه ؟ تقول الآية : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَو قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شيئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ ) ؟ وقد يقال : إن الآية ليست أكثر من استفهام إنكاري ، فهي جملة شرطية استفهامية ، لا تدل على وقوع شرطها وجزائها ! فيقال : نعم هي جملة فرضية ، لكن المتكلم هو الله تعالى والفرض منه له دلالة وهو يدل هنا على أن انقلابهم محتمل الوقوع ، أما وقوعه بالفعل فقد تكفلت به السنة والتاريخ ! على أن في الآية دلالةً أكثر من الشرطية في قوله تعالى : ( وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شيئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ ) ، حيث قسَّم الأمة بعد النبي ( صلى الله عليه آله ) إلى منقلبين على أعقابهم ، وشاكرين على ما أصابهم ! وقد يجاب : إن احتمال الوقوع احتمال عقلي مجرد كاحتمال أن يكفر الأنبياء والرسل ( عليهم السلام ) في قوله تعالى : ( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) . ( الزمر : 65 ) ، فتحذيرات الأنبياء ( عليهم السلام ) لا تدل على وقوع الشرط منهم ، فكذلك تحذيرات المؤمنين من الردة . والجواب : أن الدليل الخارجي دل على أن هذا الاحتمال في الأنبياء ( عليهم السلام ) لن يتحقق لنبوتهم وعصمتهم ، أما في حق غيرهم فيبقى احتمالاً عادياً ! ولذا لم يكتف بفرضية الانقلاب في الآية ، بل قسم الأمة إلى منقلبين على أعقابهم ، وشاكرين ، ووعد الشاكرين بجزاء جميل ! ( وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شيئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ ) . قد يقال : لو سلمنا أن بعض الصحابة قد انقلب على عقبيه في أحُد ودعا إلى