نام کتاب : تنزيه الأنبياء ( ع ) نویسنده : الشريف المرتضى جلد : 1 صفحه : 26
ولا بد لمن ذهب إلى أن معصية آدم عليه السلام صغيرة من هذا الجواب ، لأنه إذا قيل له كيف تقبل توبته وتغفر له معصيته ؟ قد وقعت في الأصل مكفرة لا يستحق عليها شيئا من العقاب ، لم يكن له بد من الرجوع إلى ما ذكرناه ، والتوبة قد تحسن أن تقع ممن لا يعهد من نفسه قبيحا على سبيل الانقطاع إلى الله تعالى والرجوع إليه ، ويكون وجه حسنها في هذا الموضع استحقاق الثواب بها أو كونها لفظا ، كما يحسن أن تقع ممن يقطع على أنه غير مستحق للعقاب ، وأن التوبة لا تؤثر في إسقاط شئ يستحقه من العقاب ، ولهذا جوزوا التوبة من الصغائر وإن لم تكن مؤثرة في إسقاط ذم ولا عقاب . فإن قيل : الظاهر من القرآن بخلاف ما ذكرتموه ، لأنه أخبر أن آدم عليه السلام منهي عن أكل الشجرة بقوله : ( ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين ) [1] وبقوله : ( ألم أنهكما عن تلكما الشجرة ) [2] ؟ وهذا يوجب بأنه ( ع ) عصى بأن فعل منهيا عنه ولم يعص بأن ترك مأمورا به . قلنا : أما النهي والأمر معا فليسا يختصان عندنا بصيغة ليس فيها احتمال ولا اشتراك ، وقد يؤمر عندنا بلفظ النهي وينهى بلفظ الأمر ، فإنما يكون النهي نهيا بكراهة المنهي عنه . فإذا قال تعالى : ولا تقربا هذه الشجرة ، ولم يكره قربها ، لم يكن في الحقيقة ناهيا ، كما أنه تعالى لما قال : ( اعملوا ما شئتم وإذا حللتم فاصطادوا ) ، ولم يرد ذلك ، لم يكن أمرا . فإذا كان قد صح قوله ( ولا تقربا هذه الشجرة ) إرادة لترك التناول ، فيجب أن يكون هذا القول أمرا ، وإنما سماه منهيا عنه ، ويسمى أمره له بأنه نهي من حيث كان فيه معنى النهي ، لأن النهي ترغيبا في الامتناع من الفعل ، وتزهيدا في الفعل نفسه . ولما كان الأمر ترغيبا في الفعل المأمور به وتزهيدا في تركه ، جاز أن يسمى نهيا . وقد يتداخل هذان الوصفان في الشاهد فيقول أحدنا قد