سار عمرو وعلى مقدمته شرحبيل بن حسية وعالج كسر قوة ( أرطبون ) فلم يوفق ولم تشفه الرسل فوليه بنفسه فدخل عليه كأنه رسول فأبلغه ما يريد وسمع كلامه وتأمل حصونه حتى عرف ما أراد . فحدث أرطبون نفسه بأنه عمرو بن العاص فوضع له في الطريق من يقتله ، وفطن له عمرو فاحتال بما عرف عنه من الدهاء ونجا من شره . وعلم ( أرطبون ) بحيلته فقال : خدعني الرجل هذا أدهى الخلق ، وبلغ ذلك عمر بن الخطاب فقال . . غلبه عمر والله عمرو . ووقف عمرو بنفسه على حالة الروم فزحف بجنده واقتتلوا قتالا شديدا لا يقل هولا عن قتال اليرموك فانهزم ( أرطبون ) في ثمانين ألف من الروم ، وأوى بالفالة إلى إيلياء . وكان ذلك سنة 15 ه . ( 636 م ) . وقد اضطربت كلمة المؤرخين في السنة التي هزم المسلمون فيها الروم بأجنادين . فذكر بعضهم ( كالواقدي وياقوت وإيرفنج ) إن ذلك كان سنة 13 ه عقب فتح بصرى حيث سار العرب لحصار دمشق ، ثم عدلوا عن حصارها ريثما يتم لهم فتح أجنادين ، وقد علموا أن ( هرقل ) أنفذ إليهم مائة ألف من الروم تحت قيادة ( وردان ) ( 1 ) وأن موت أبي بكر كان قبيل فتح دمشق سنة 13 أيضا . وهو يخالف ما ذكره غيرهم ( كالطبري والبلاذري واليعقوبي وابن الأثير ) أن موقعة اليرموك لا أجنادين هي التي سبقت فتح دمشق : أعني سنة 13 ه . وأن واقعة أجنادين كانت سنة 15 ه . على أن المؤرخين الإفرنج ومعهم الواقدي قد ذكروا أن العرب اشتبكوا بأجنادين مرتين : مرة قبل فتح دمشق أي سنة 13 ه ، ومرة أخرى بعد واقعة اليرموك سنة 15 ه . ونحن نميل إلى أن أجنادين كان بها واقعتان ، أحداهما سنة 13 ثم اشتغل الفريقان بغيرها من البلاد ، ثم عاد إليها المسلمون بعد ذلك .
1 - قال ياقوت ( ج 1 ص 126 ) إن قائد الروم كان ( أرطبون ) كما ذكرنا .