د - تربية عمرو كان بيت العاص كما أسلفنا من البيوتات العالية الرفيعة العماد ، وكان عمرو - ولا شك - قد شب في حجر أبيه ونشأ مع أبناء الأشراف في مكة الذين يترفع آباؤهم عن الدنايا فيصبغون أبناءهم بآدابهم ، ويعلمونهم عالي الهمم ، وجميل الخصال ، لأنهم فخرهم الدائم ومجدهم الخالد . وكانت بلدهم مكة مركز حركة الحجاز التجارية والأدبية . فكان يفد إليها العرب من كل صوب وحدب أيام الحج والمواسم فيتناقلون الآداب الاجتماعية بعضهم من بعض ، ويتناشدون الأشعار الحماسية ويتحدثون بكرم أصلهم وشرف محتدهم . فتغرس كل هذه المظاهر الاجتماعية والأدبية في نفوس أطفالهم المواهب النادرة ، والقرائح الوقادة ، والخصال الكريمة ، والعادات السامية ، وتدفع بهم إلى جليل الأعمال وأسمى الغابات . وليس هناك سبيل إلى البحث عن تربية عمرو العلمية . فإن هذا النوع من التربية لم يكن موجودا إذ ذلك . لأن العرب في هذا الوقت لم يكن لهم بالعلوم عهد . ومع ذلك فقد كان عمرو كاتبا قارئا وكنا نود لو عرفنا متى وكيف تعلم ذلك ولكن المؤرخين لم يذكروا منه شيئا . ويخيل إلينا أنه إنما كتب وقرأ بعد أن شب ، وحين مارس التجارة ، فما نظن أن مكة كانت في هذا العصر تعني بتعلم أطفالها الكتابة والقراءة . إنما كان يشعر الرجال من أهلها بالحاجة إلى ذلك فيتعلمه . وقد ذكر لنا التاريخ إن عمرو بن العاص كان يجيد الشعر . وقد روى عنه شعر كثير جيد . وإن كان الرواة لم يكادوا يتركون واحدا من الصحابة من غير أن يرووا له شعرا . واشتهر بالفصاحة والإبانة في