نام کتاب : تاريخ عمرو بن العاص نویسنده : دكتر حسن إبراهيم حسن جلد : 1 صفحه : 259
سفيان أن تمكن هذا من سلخ ما كان تحت سلطان علي بن أبي طالب شيئا فشيئا حتى فاجأته يد المنون سنة 40 للهجرة . والذي نراه في هذه المسألة الدقيقة أنه إقرارنا لعمرو بن العاص بالدهاء والقدرة على النكاية بعدوه ، أنه بعمله هذا لم يصب عليا وحده ، ولا جند المسلمين فحسب ، ولكنه أصاب الإسلام ، وزاد كلمة المسلمين تفريقا ، فإن عمله هذا هو الذي خلق مذهب التحكيم ، وأوجد الخوارج ، الذين كانوا أعداء لعلي ومعاوية على السواء . وقد مكث الإسلام يعاني من البلاء بهم شيئا كثيرا . وكل هذا نتيجة لعمل عمرو - ولم يكن من الصعب عليه أن يجد حلا لما بين علي ومعاوية من أول الأمر تحقن به الدماء وتصان الكرامة ، وتجتمع عليه الألفة ، ويكون له فخره بين الأمة قاصيها ودانيها على مر الدهور - ونحن نعتقد كل الاعتقاد أن عمرو بن العاص كان قادرا على ذلك لو شاءه ، ولكن الرجل كان لا يأمل أن ينال مع علي ما يرغب ، فجشم المسلمين الأهوال ، وحملهم هو ومعاوية على مركب وعر ، ولم يباليا في سبيل مآربهما بما حملا عليه الناس . وقد وجد عمرو من قتل عثمان مسوغا لأن تروج دعوى معاوية ، فظاهره على أمره . ولو تريث علي كرم الله وجهه وصنع ما تقضي به السياسة من إرضاء المسلمين ، وعدم عزل ولاة عثمان وقتل قتلته ، لكي يدفع عن نفسه الريب فلا يجد معاوية داعيا قويا كهذا يبرر رفضه بيعة علي ، ودعوة أهل الشام لحربه باسم الدين . ولا يمكن أن نعتقد أن معاوية كان بعمله هذا يريد إحقاق الحق ، بدليل أنه سكت عن المطالبة بدم عثمان ولم يتتبع بقية قتلته حين أفضت إليه الخلافة ، ولم يمده حين كان محصورا بالمدينة ، فكأنه كان ينتظر قتله . إلا أنه إنما جعل المطالبة بدمه سبيلا إلى الخلافة ، فلما حصل عليها سكن ثائره . وما قيل في معاوية يقال في عمرو فإنه لما تولى معاوية ، كان أول ما طلب منه الاستيلاء على مصر والولاية عليها .
259
نام کتاب : تاريخ عمرو بن العاص نویسنده : دكتر حسن إبراهيم حسن جلد : 1 صفحه : 259