وبذلك يكون إبليس لعنه الله قد وقع في مخالفتين : إحداهما : أنه لم يبرّ بقسم آدم « عليه السلام » ، كما هو المفروض . الثانية : أنه كذب عليه حين أقسم له أنه ناصح ، وليس هو كذلك . فكان من الصعب على آدم « عليه السلام » - والحالة هذه - تصور الإقدام على هتك حرمة العزة الإلهية مرتين : مرة حين لم يبر بقسمه . ومرة أخرى حين أقسم على ما ادعاه من النصح والصدق . بل إنه حتى لو كانت المقاسمة من طرف إبليس ، فإن نفس المبادرة إلى القسم تفيد هذا التأكيد المطلوب . . وذلك لأن معنى القسم منهما هو التجاء الطرفين إلى الله سبحانه ليكون هو الكفيل والضامن للصدق ، بحيث يجعل الأمر في عهدة العزة الإلهية ، ويكون التفريط فيه هتكاً لحرمته تعالى ، وتعدياً عليه ، وخروجاً عن زي العبودية والانقياد له سبحانه . وسيكون الله عز وجل هو الذي يتولى معاقبة من يعتدي على مقام جلاله وعزته ، ويهتك حجابه وحرمته . ويشهد لذلك أن الحلف بيمين البراءة يستتبع معاجلة الله تعالى ، الحالف الكاذب بالعقوبة ، فلا يقدم المذنبون على هذا اليمين ، بل هم يمتنعون منه ، خشية من ذلك ، بل يمتنع من الإقدام عليه حتى الذين يعرفون من أنفسهم البراءة والصدق .