2 - ويحتمل أن يكون المراد بالحدود هي حدود الله سبحانه ، بحيث يكون التعدي عليها تعدياً عليه ، وهتكاً لحرمته ، وهو ما يدخل في دائرة العصيان . وإرادة هذا المعنى من قوله تعالى : * ( فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ) * . . تحتاج إلى درجة من العناية والتجوز في التعبير ، فكيف إذا كانت الآية قد صرحت بخلافه كما سنرى ! ! . . 3 - ويحتمل أن يكون المراد بالحدود التي كان التعدي عليها هي حدود طاقة ووسع النفس ، فيكون الظلم للنفس دون سواها ، بمعنى أنه يحملها أكثر مما اعتادته فيرهقها بذلك ويتعبها ، كمن يشتغل ستة عشر ساعة بدلاً من ثماني ساعات ، ليحصل على ما هو أهم بنظره . . وكالتلميذ الذي يدرس في أيام الامتحانات أكثر من سائر الأيام ، ليعوض النقص الذي نشأ عن إهماله في الأيام السالفة ، أو أنه يبذل جهداً أكثر من رفقائه ليحصل على درجات أعلى ومراتب أرفع ، فيكون له بذلك التقدم عليهم ، ولا يلومه الناس على تعديه الحدود في معاملته لنفسه ، من أجل أن ينجح في الامتحان بتفوق . . وهذا المعنى هو الأقرب ، بل هو المتعين في معنى الآية ، حيث جاء الإلماح إليه في قوله تعالى : * ( فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ) * . . ثم جاء التصريح به في قول آدم وزوجه « عليهما السلام » . * ( ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا ) * . . ولم يقولا : أذنبنا ، أو عصينا . . وسيأتي أيضاً أن المقصود بقوله تعالى : * ( وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا ) * ليس هو المغفرة بمعناه الذي ألفناه ، بل بمعنى المبادرة إلى معونتهما والستر عليهما ، وإعادة ما كان خافياً وكافياً إلى حالة من الخفاء والكمون ، بنحو يحفظ لهما درجة من الراحة في حياتهما .