فمثلاً ، لو وصف لك طبيب دواء ، لكن طبيباً آخر ، قال لك : هذا الدواء يشفيك في شهر ، وأنا أصف لك دواء يشفيك في ثلاثة أيام ، ولكن بشرط أن تتحمل بعض المضاعفات التي تنشأ عنه ، فأخذك بالدواء الذي وصفه الطبيب الثاني ، لا يعني أنك عصيت الطبيب الأول ، ولا يعني أنك هتكت حرمته ، وخرقت هيبته ، وليس هذا من العصيان القبيح ، لأنك قصدت الحصول على الشفاء مع الأول ، ومع الثاني ، فأنت فعلت حسناً معهما معاً ، ولم تسئ إلى أي منهما . . لكن الأول أراد أن يجنبك المضاعفات الصحية ، وأنت اخترت تحملها ، وأخذ الدواء الثاني . . فإذا ظهر أن الطبيب الثاني قد أخطأ ، أو أنه كذب عليك ، فإنه هو الذي يلام . ولا تلام أنت ، ولا الطبيب الأول ، رغم معصيتك لأمره ، مع شدة احترامك وحبك له . . ويصح للطبيب الأول أن يقول لك : لقد عصيتني ، فوقعت فيما وقعت فيه ، لكنها ليست معصية بمعنى التمرد عليه ، وهتك الحرمة . . كما قلنا . ولأجل ذلك يبادر الطبيب الأول مرة أخرى إلى معالجة السلبيات التي لحقت بك ، من موقع المحبة ، واللطف ، والعطف . . وعلى حد تعبير العلامة الطباطبائي « رحمه الله » : إن استعمال عصى في خصوص الأوامر المولوية إنما هو طريقة الشرع ، وإلا فإن الاستعمال اللغوي لا يقتصر على ذلك ، بل يراد به مطلق عدم الانفعال بالأمر والنهي ، سواء أكان الأمر والنهي مولويين ، أو إرشاديين ، حيث لا يكون ثمة عنوان السيادة ملحوظاً في نشوء الأمر والنهي . . سواء أكان هناك سيادة بالفعل ، كالإرشادات الإلهية التي تهدف إلى إلفات الناس إلى بعض المنافع أو المضار في بعض الموارد ، أو لم تكن هناك سيادة ومولوية