ونقول : إن هذا الكلام لا يمكن قبوله ، وذلك لأن إنزال الشرائع ، وإن كان قد تم بصورة فعلية بعد هبوط آدم « عليه السلام » إلى الأرض . . غير أن كون النهي عن الشجرة مولوياً أو غير مولوي ، ليس مرتبطاً بذلك . . إذ لا مانع من أن يكون هذا الأمر الموجه للنبي آدم مولوياً ، تماماً كما كان أمر الله تعالى للملائكة ولإبليس بالسجود لآدم « عليه السلام » ، مولوياً أيضاً . ولأجل ذلك استحق إبليس اللعن والطرد إلى يوم الدين ، لمجرد مخالفته للأمر المولوي الإلهي الموجه إليه . فلا يصح جعل عدم تشريع الدين إلا بعد الهبوط الثاني ، دليلاً على عدم وجود معصية مولوية ، وعدم تحقق ذنب عبودي ، وانحصار الأمر بظلم النفس . إذ يمكن أن يوجه الله تعالى أمراً ونهياً لآدم « عليه السلام » ، لا تجوز له مخالفته . حتى في تلك المراحل المتقدمة أيضاً . الإلزام لا يتوقف على التشريع : وغني عن القول : إن الأوامر المولوية ليست منوطة بالتشريع وجوداً وعدماً ، ليقال : إنه لم يكن قبل هبوط النبي آدم « عليه السلام » إلى الأرض تشريع . فلم يكن هناك أوامر ملزمة . وذلك لأن التشريع إنما جاء لينظم علاقة الإنسان بربه ، وبنفسه ، وبمجتمعه ، ومحيطه . . وفق ملاكات المصالح والمفاسد الواقعية . . ولكن للأوامر المولوية ملاكات أخرى غير ملاكات المصالح والمفاسد ، وهو ملاك المولوية والعبودية ، والمالكية والمملوكية ، وحق الأبوة ، فإنه أيضاً منشأ للإلزام ببعض الأوامر ، وحق الألوهية والربوبية على المألوه والمربوب . . فإن هذا الأمر مما يلزم به عقلاء البشر بعضهم بعضاً ، ويتعاملون على