ولعل ما ورد في الرواية الأخرى من التعبير بالحرص ، قد أوضح المقصود ، وهو أن النبي آدم « عليه السلام » قد دفعه حرصه على الوصول إلى ذلك المقام العظيم ، إلى بذل محاولات للوصول إليه ، رغم أنه لم يكن يملك الاستعداد الكافي له من حيث ملكاته ، وإمكاناته . ولم يكن يريد أن تزول أية نعمة عن غيره ، وإن كان لازم سعيه هذا - لو نجح - زوال تفردهم واختصاصهم « عليهم السلام » بها . . فقوله تعالى : * ( وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ ) * . . يريد به : أنكما لن تصلا إليها ، وسوف تفشلان في محاولاتكما ، لأنكما لستما في مستوى أولئك الصفوة ، وهم النبي وأهل بيته ، وسينكشف ضعفكما وقصوركما . . فالحسد الذي تحدثت عنه الروايات ليس رذيلة ، بل هو فضيلة للنبي آدم « عليه السلام » ، لأنه يعبر عن مدى حرصه على منازل الكرامة الإلهية ، ولم يكن « عليه السلام » يقصد إزالة غيره عن ذلك المقام . وإن كان وصوله إليه يزيل صفة الانحصار بهم ، وهي ميزة وكرامة لهم . . فالنبي آدم « عليه السلام » قاصد لمقام الرضا الإلهي ، لا لأجل الحلول في مقام وموقع الغضب الإلهي ، وقد نال النبي آدم بحرصه هذا وبتضحياته تلك ، مقام الاجتباء الإلهي . . السؤال ما قبل الأخير : وبعد . . فإن هناك من يقول : لو كان الاستدلال بالآيات على صدور الذنب متعسراً ، بل متعذراً ، ولم يكن الأكل من الشجرة خلاف الأولى ، لكان ينبغي على الله تعالى أن يأمر النبي آدم بالأكل من الشجرة ، لا أن ينهاه عنها . . وإن كان إبليس قد حقق طموحات النبي آدم الإلهية ، حينما أطاعه وخالف نهي الله ، لوجب أن يستحق إبليس كل تقدير ، وليس الطرد والإبعاد ! !