ونقول في الجواب : أولاً : إن إبليس كان يسعى لإيقاع النبي آدم « عليه السلام » في المشكلة ، ولم يكن يدري أنه سيكون لذلك نتيجة يتمنى أن لا تكون ، بل هي تأتي في سياق معاكس لما يسعى لوضع آدم فيه . . وكأن هذا نظير ما جرى لفرعون ، فإنه جاء بالسحرة ، ليتغلب بهم على النبي موسى « عليه السلام » ، فكانت النتيجة هي إيمان السحرة ، وخيبة فرعون فيما خطط له . ثانياً : إن الله يعلم : أن النبي آدم لا يملك القدرات التي تمكنه من نيل مقامات أهل البيت « عليهم السلام » ، وقد أمره بما يعلم أنه قادر عليه ، لكنه لم يمنعه من أن يفكر ويسعى لتلك المقامات ، ليثبت بذلك حسنه الفاعلي . . أي أنه تعالى قد أمره بما يطيق ، وبين له الحد الذي يطيقه ، وهو أن لا يصل إلى تلك الشجرة ، وبين له أيضاً : أن التفكير في تلك الشجرة معناه : أن يحمل نفسه أموراً صعبة ، ويتعرض لمشاق هائلة . . ولم يمنعه منها منعاً مولوياً تترتب عليه العقوبة ، بل نهاه نهياً إشفاقياً ، ولو كان يعلم منه القدرة على الوصول لكان أمره له أمر جزم وحتم ، ولم يعذره بالتخلف عن تلك الغاية ، فالمانع من الأمر هو علم الله بعجز النبي آدم . . ولكن على النبي آدم أن يظهر شدة حرصه على نيل تلك المقامات ، وأن يعرض نفسه لأعظم البلاءات ، لينال بذلك الجائزة الكبرى ، وهو مقام الاجتباء والاصطفاء . . ولم يتمن النبي آدم زوال النعمة عن أحد ، ليكون قد مارس الحسد المذموم . . فاتضح : أن الله تعالى إنما لم يأمر النبي آدم لآجل عدم توفر القدرة على الامتثال . . وكان على النبي آدم أن يسعى لنيل ذلك المقام ، ولا منافاة بين الأمرين . .