طائعاً . . نعم ، إن قدرته تعالى لا يمتنع منها شيء . . ولكنه أراد للأمور أن تجري بأسبابها ، وللأمة أن تجري عليها سنن الأمم الماضية ، فتمتحن بإطاعة نبيها من بعده ، أو معصيته . . وهذا يستوجب أن تبقى لها القدرة على معصيته . . أما على الردة في حياته وفي وجهه . . فلا . إن قدرتها تصل إلى حد قولها لنبيها صلى الله عليه وآله : لا نريد وصيتك ولا سنتك ولا عترتك ، حسبنا كتاب الله ! ! لكن ما بعد ذلك خطٌّ أحمر . . هكذا أراد الله تعالى ! ! لقد تحققت عصمة النبي صلى الله عليه وآله من قريش في منعطفات كثيرة في حجة الوداع . . في مكة ، وعرفات ، وفي ثلاث خطب في منى ، خاصةً خطبة مسجد الخيف . . وما تنفست قريش الصعداء إلا برحيل النبي من مكة بعد حجة الوداع دون أن يطالبها بالبيعة لعلي ! ولكن الله تعالى لم يكتف بذلك ، حتى أمر نبيه صلى الله عليه وآله أن يوقف المسلمين في طريق عودتهم في حر الظهيرة ، في صحراء ليس فيها كلأ لخيولهم وجمالهم ، ولا سوق ليشتروا منه علوفة وطعاماً ، إلا دوحةٌ من بضع أشجار على قليل من ماء ، وذلك بعد مسير ثلاثة أيام . . فلم يصبر عليهم حتى يصلوا إلى مدينة الجحفة التي لم يبق عنها إلا ميلان أو أقل ، بل كان أول القافلة وصل إلى مشارفها . . فبعث إليهم النبي وأرجعهم إلى صحراء الغدير ! كل ذلك لكي يصعد الرسول صلى الله عليه وآله المنبر في غير وقت صلاة ويرفع بيد ابن عمه وصهره علي عليه السلام ويقول لهم : هذا وليكم من بعدي ، ثم من بعده ولداه الحسن والحسين ، ثم تسعة من ذرية الحسين عليهم السلام .