عمره ، بل كاد أن يتناول التسعين . . وعلم هذا الرجل واعتراف مؤرّخيهم ومترجميهم بشيخوخته للإسلام . . وغربته وكونه ضيفاً عليهم . . وقدسيّة مقصده ، فإنّه خرج حاجّاً . كل هذه الأُمور ، وواحد منها - عند الإنسان ، بل المسلم - شافع للرجل ، موجب له التكريم وحفظ الجانب وقضاء الحاجة . . . ولكن لم يشفع له أيّ واحد من هذه الخصال الأربع ؛ لما انطوت عليه حنايا ضلوعهم من وحشيّة دونها وحشيّة كواسر السباع ، وكفى بالطفّ الشريف وحوادثه عبرة . وقد يسأل سائل : لماذا كل هذا ! ؟ هل اعتدى على حرماتهم ؟ أم أجّج الفتنة في بلادهم ؟ أم نازعهم في دنياهم ؟ أم . . أم . . . كل هذا لم يكن ، والرجل شيخ في التسعين من عمره ، قد أدبرت عنه الدنيا بكل أسبابها . . وقد صرّح مترجموه بالسبب ، إنّهم سألوه أن يكذب لهم على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ليُعلي من شأن معاوية ! فرأى الشيخ نفسه وقد عرق جبينه ونكس رأسه - وهو هامة اليوم أو غد - أمام رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الذي سيلاقيه بعد قليل من الأيام ، وسيسأله : لماذا لم يرع حرمته ؟ ولماذا لم يحترم نفسه - هو - وشيبته وعلمه ؟ فأبى الشيخ أن يكذب ، وجابههم بالحقّ الصراح « لا أشبع الله بطن معاوية » فكان ما كان ممّا سيظلّ سبّة في جبهة تأريخهم ولطخة عار لا تمحى . وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون .