ومن جهة أخرى : فلم يكن أحد يهتم بسفر أبي بكر أو يحس به ولا يجد أي من الناس دافعاً للتعرف عليه . هذا كله ، عدا عن أن أبا بكر قد فارق الرسول ( صلى الله عليه وآله ) حينما وصلا إلى قباء ، ولم يبق معه إلى حين دخول المدينة . ثانياً : لقد كان الناس من أهل المدينة ينتظرون قدومه ( صلى الله عليه وآله ) بفارغ الصبر ، وقد استقبله منهم حين قدومه حوالي خمسمئة راكب بظهر الحرة وكان النساء والصبيان والشبان ، وغيرهم يهزجون : - كما قيل - طلع البدر علينا من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ما دعا لله داع أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع وكان قد مكث في قباء أياماً يستقبل الناس ؛ فهل يمكن أن يكون متنكراً حين قدومه من قباء إلى المدينة ، كما يقول القسطلاني ؟ ! أو هل يمكن أن يكون قد دخل المدينة ولم يكن معه أحد من أهل قباء ، ولا من أهل المدينة وأين كان عنه علي ( عليه السلام ) حينئذٍ ؟ ! وألم يكن أهل المدينة قد أتوا زرافات ووحداناً إلى قباء ليتشرفوا برؤيته ؟ ! وثالثاً : لقد كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يكبر أبا بكر ، بسنتين وعدة أشهر ؛ لأنه ( صلى الله عليه وآله ) ولد عام الفيل ، وأبو بكر استكمل بخلافته سن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، حيث توفي - كما يدعون - بسن النبي ( صلى الله عليه وآله ) عن ثلاث وستين سنة . إذن فكيف يصح قولهم : إنه شيخ والنبي ( صلى الله عليه وآله ) شاب . ومما ذكرناه نعرف عدم صحة ما روي عن يزيد بن الأصم - المتوفى بعد المئة عن 73 سنة - من أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال لأبي بكر : أنا أكبر أو أنت ؟ قال : لا ، بل أنت أكبر مني وأكرم ، وخير مني ، وأنا أسن منك .