ولنختم الكلام في المقام بذكر كلمة قيّمة لابن قتيبة : قال في كتابه ( الاختلاف في اللفظ والردّ على الجهمية والمشبّهة ) [1] ما يلي : وقد رأيت هؤلاء يعني الجهمية والمشبّهة أيضاً حين رأوا غلوّ الرافضة في حبّ علي ، وتقديمه على من قدّمه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وصحابته عليه وادعاءهم له شركة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في نبوّته ؟ وعلم الغيب للأئمة من ولده ، وتلك الأقاويل والأمور السرية التي جمعت إلى الكذب والكفر افراط الجهل والغباوة ، ورأوا شتمهم خيار السلف وبغضهم وتبرّأهم منهم ، قابلوا ذلك أيضاً بالغلوّ في تأخير علي كرّم الله وجهه وبخسه حقه ، ولحنوا في القول وإن لم يصرّحوا إلى ظلمه ، واعتدوا عليه بسفك الدماء بغير حق ، ونسبوه إلى الممالاءة على قتل عثمان ، وأخرجوه بجهلهم من أئمة الهدى إلى جملة أئمة الفتن ، ولم يوجبوا له اسم الخلافة لاختلاف الناس عليه ، وأوجبوها ليزيد بن معاوية لاجماع الناس عليه ، واتهموا من ذكره بغير خير . وتحامى كثير من المحدّثين أن يحدثوا بفضائله كرّم الله وجهه ، أو يظهروا ما يجب له [2] ، وكل تلك الأحاديث لها مخارج صحاح ، وجعلوا ابنه الحسين (
[1] - الاختلاف في اللفظ : 47 . [2] - وابن قتيبة كان شهر بالانحراف بالنظر إلى عدم تثبته في نقل ما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم في مؤلفاته السابقة ، بحيث يشفّ من ثنايا نقوله الانحراف والنُصب ، حتى ان الحافظ ابن حجر قال في حق حمل السلفي كلام الحاكم فيه على المذهب انّ مراد السلفي بالمذهب النصب ، فان في ابن قتيبة انحرافاً عن أهل البيت والحاكم على ضد من ذلك أ ه . وهنا يردّ على النواصب بما يرضي الله ورسوله كما ترى ، عفا الله عما سلف وفي ذلك عبرة بالغة . وانحراف المتوكل عن علي كرّم الله وجهه وتقريبه للمنحرفين عنه بعد رفع المحنة مما جعل للنواصب سوقاً تروج فيها أهواؤهم ومروياتهم عند كثير من أهل الحديث ، حتى أخذ يتقمص النواصب في أزياء أهل الحديث ، وأصبح رجال الخوارج في موضع التجلّة والتعويل في كتبهم مدى القرون بعد أن كانوا مهجورين لبغضهم عليًاً كرّم الله وجهه ، وقد ورد : ( لا يبغضك إلاّ منافق ) ولشقهم عصا المسلمين في أحرج وقت ، ولا تزال نتائج ذلك ماثلة أمام أعين المتبصرين مما فيه ذكريات أليمة لا نريد الولوج في مضايقها ، مكتفين بهذه الإشارة الوجيزة وفّر المصنف الكلام حقه في ذلك . ( عن هامش الأصل ) .