ودلالتها إنّما هو مكابرة ، لأنّ أصحاب المصادر هم أعلام المحدّثين والمؤرخين ومن المعنيين بتسجيل تاريخ المسلمين وشؤون الخلفاء الراشدين ، وهم باتفاقهم إن لم يكن ذلك يعدّ إجماعاً منهم على قبول مؤدّى تلك النصوص ، والاستدلال بها يقطع جهيزة المعاندين ، لوضوح الدلالة وقبول الإسناد ، عند من لا يبتغي العناد ، سواء فئة التقليد أو فئة التجديد ممن يدعون إلى إعادة كتابة التاريخ الإسلامي من جديد . وأحسب أنّ العرض والتبسيط منّا كان فيه استيفاء كثير من جوانب الاحتجاج لدى الحوار مع الأطراف الأخرى ، وبيان الحق الذي يجب أن يتبع حين نتبيّنه فنتبنّاه لنبيّنه للناس ولا نكتمه ، ولا نؤخذ بغلبة الموروث وقداسته ، ولا نخشى في بيانه لومة لائم ما دمنا نزيل غشاوة التضبيب الإعلامي الذي وراءه مزاعم الحاكمين الظالمين ، فتشوّهت المعلومة من رواة السوء الضالعين في ركابهم . وتلك بلية المسلمين في تاريخهم منذ القرون الأولى ، حين أشاعوا مقولة أنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم مات ولم يوص إلى أحد ، وترك للناس حق اختيار من يتولاهم ، وهذا من أفدح الظلم وأقبح الكذب ، إذ أنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم قبل أن يهاجر إلى المدينة المنورة ، ومنذ بدء الدعوة قد بيّن وعيّن من هو الذي سيتولى أمر القيادة من بعده ، فقد ورد في شأن نزول قوله تعالى : * ( وَأنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ ) * [1] ، فأمر ابن عمه علياً بأن يصنع طعاماً يدعو عليه بني هاشم ، وقد صنع ودعاهم وبلّغهم ما أمره الله بتبليغه فقال : « أيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووزيري ووصييّ ووارثي وخليفتي من بعدي » ، فلم يجبه أحد غير علي عليه السّلام ، فأخذ برقبته ثم قال : « إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا » [2] .
[1] - الشعراء : 214 . [2] - تاريخ الطبري 2 : 216 ، طبعة الحسينية بمصر ، و 2 : 319 321 ، طبعة دار المعارف بمصر ، ولمزيد من معرفة المصادر راجع كتاب ( علي إمام البررة ) 1 : 72 92 .