وسؤال تاسع ومن حق القارئ أن يسأل : لقد مرّ بنا مكرراً حديث الفلتة ، وانّ عمر نفسه قال ذلك عن بيعة أبي بكر بأنّها فلتة ، وقد روى ذلك البخاري في باب رجم الحبلى ، ورواه غيره كما مرّ ، ولما كانت الفلتة وفيها شر ولكن وقى الله شرها ، فكيف لصاحب تلك البيعة الفلتة وفيها شر ، الحق بأن يستخلف غيره ، وهي باطلة لما فيها من شر ، وما بني على الباطل باطل ؟ وقد سمّاها أحمد أمين المصري ( غلطة ) [1] . وسؤال عاشر ، وآخر وآخر وتبقى الأسئلة تترى ، ولا جواب على صواب غير المكابرة من الاتباع والأذناب ، إلا فمن هو أوّل من أسّس أساس الظلم والجور على أهل البيت ؟ فليجيبوا على هذا السؤال بفصيح المقال . إن المسلم البصير بأمر دينه ، لا يخشى من قراءة تاريخية تكشف له الصفحات المزوّرة ، والأمجاد المفتعلة لشخصيات مهزوزة عقائدياً ومهزومة تاريخياً ، ما دام من حقه النظر بعقل واع ، ومدرك موازين الحق ، فلا يخدعه التقديس الأعمى للموروث ، الذي يخلط الحابل بالنابل ويساوي المظلوم بالظالم ، وآخر دعواه ( عفا الله عما سلف ) وهذه بلية أكثر المسلمين في الأرض ، ولابدّ من إعادة قراءة التاريخ قراءة واعية كي يمكن لنا تلافي ما قرأناه وسمعناه من أخطاء غيّرت كثيراً من المفاهيم الصحيحة ، فأضفينا الشرعية على حكم كل حاكم ظالم ، لأنّا قرأنا حديثاً مكذوباً : « أطعه وإن ضربك وأخذ مالك » . وبالتالي تولى سلاطين الجور والحكام الطغاة ، فأحاطوا أنفسهم بحثالات لا تسوى شروى نقير ، فصاروا يروون لهم ما يشاؤون من أكاذيب تدعم سلطانهم حسب الأهواء والشهوات .
[1] - قال في كتابه يوم الإسلام : 54 ، فلما مات النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم حصل هذا الاختلاف ، فبايع عمر أبا بكر ثم بايعه الناس ، وكان في هذا مخالفة لركن الشورى ، ولذلك قال عمر : إنها غلطة ( كذا ) وقى الله المسلمين شرها ، وكذلك كانت غلطة بيعة أبي بكر لعمر .