ومن كتاب المناقب لأبي المعالي [1] الفقيه المالكي روى خبراً يرفعه إلى عليّ بن الحسين [2] رضى الله عنهما أنّه قال : كنّا عند الحسين ( رضي الله عنه ) في بعض الأيام وإذا بنسوة مجتمعين فأقبلت امرأة منهنّ علينا فقلت لها : من أنت يرحمكِ الله ؟ قالت : أنا زيدة [3] ابنة العجلان من بني ساعدة ، فقلت لها : هل عندك من شيء تحدّثينا به ؟ قالت : إي والله حدّثتني أُمّ عمارة بنت عبادة بن فضلة بن مالك بن عجلان [4] الساعدي أنّها كانت ذات يوم في نساء من العرب إذ أقبل أبو طالب كئيباً حزيناً ، فقلت له : ما شأنك ؟ قال : إنّ فاطمة بنت أسد في شدّة من الطلق . ثمّ أنّه أخذ بيدها وجاء بها إلى الكعبة فدخل بها ، وقال : اجلسي على اسم الله ، فطلقت طلقة واحدة فولدت غلاماً نظيفاً منظّفاً لم أر أحسن وجهاً منه ، فسمّاه أبو طالب عليّاً وقال شعراً : سمّيته بعليٍّ كي يدوم له * عزّ العلوِّ وفخر [5] العزّ أدومه [6]
[1] في بعض النسخ لابن المغازلي . [2] ستأتي ترجمته في الفصل الرابع إن شاء الله . [3] وفي ( ب ) : زبدة . [4] في ( ج ) : بن مالك العجلاني . [5] في ( د ) : وخير . [6] انظر فتح الميبدي ، بهج الصباغة للتستري : 1 / 52 . ونقل صاحب كفاية الطالب : 260 وصاحب الإحقاق : 7 / 488 شعراً لأبي طالب في ولادة الإمام عليّ ( عليه السلام ) وهو يقول : أيها الناس ولد في الكعبة ولي الله عزّوجلّ فلمّا أصبح دخل الكعبة وهو يقول : يا ربّ هذا الغسق الدجيّ * والقمر ( الفلق ) المبلّج المضيّ بيّن لنا [ عن ] أمرك الخفيّ ( المقضيّ ) * ماذا ترى في اسم ذا الصبيّ أي بما نسميّ ذلك الصبي . ( انظر مودّة القربى : 25 ) . قال فسمع صوت هاتف يقول : خصصتما بالولد الزكيّ * والطاهر المنتجب الرضيّ يا أهل بيت المصطفى النبيّ * خصّصتم بالولد الزكيّ إنّ اسمه من شامخ العليّ * عليّ اشتقّ من العليّ وقال الرسول ( صلى الله عليه وآله ) في ولادة عليّ ( عليه السلام ) كما نقله لنا الحافظ الكنجي الشافعي عن جابر بن عبد الله ، قال : سألت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عن ميلاد عليّ بن أبي طالب . فقال : لقد سألتني عن خير مولود ولد في شبه المسيح ( عليه السلام ) ، إنّ الله تبارك وتعالى خلق علياً من نوري وخلقني من نوره وكلانا من نور واحد . ( كفاية الطالب : 260 ) . وقال الإمام جعفر بن محمّد الصادق ( عليه السلام ) في ولادته ( عليه السلام ) كما في الكافي : 1 / 452 : إنّ فاطمة بنت أسد جاءت إلى أبي طالب لتبشّره بمولد النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) فقال أبو طالب : اصبري سبتاً [ دهراً ] أُبشّرك بمثله إلاّ النبوّة وقال : السبت ثلاثون سنة ، وكان بين رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأمير المؤمنين ( عليه السلام ) ثلاثون سنة . ( انظر مرآة العقول : 5 / 277 ) والسبت : الدهر . وروى الحافظ القندوزي : 255 عن عباس بن عبد المطّلب قال : لمّا ولدت فاطمة بنت أسد عليّاً سمّته باسم أبيها أسد ، ولم يرض أبو طالب بهذا الاسم فقال : هلمّ حتّى نعلوا أبا قبيس ليلا ، وندعوا خالق الخضراء فلعلّه أن ينبئنا في اسمه ، فلمّا أمسيا خرجا وصعدا أبا قبيس ودعيا الله تعالى ، فأنشأ أبو طالب شعراً : يا ربّ هذا الغسق الدجى . . . إلخ . فإذا خشخشة من السماء فرفع أبو طالب طرفه فإذا لوح مثل زبرجد أخضر فيه أربعة أسطر فأخذه بكلتا يديه وضمّه إلى صدره ضمّاً شديداً فإذا مكتوب : خصصتما بالولد الزكيّ فسرّ أبو طالب سروراً عظيماً ، وخرَّ ساجداً لله تبارك و تعالى وعقّ بعشرة من الإبل وكان اللوح معلّقاً في البيت الحرام يفتخر به بنو هاشم على قريش حتّى غاب زمان قتال الحجّاج بن الزبير . فقصة ولادته ( عليه السلام ) في جوف الكعبة المكرّمة أمر مشهور بين الأُمة حتّى ألّف الشيخ الأوردبادي في هذا الموضوع كتاباً فخماً كما يذكر الشيخ الأميني في كتابه الغدير : 6 / 27 . وروي عن سعيد بن جبير قال : يزيد بن قعيب : كنت جالساً مع العباس بن عبد المطّلب وفريق من بني عبد العزّى بإزاء بيت الله الحرام ، إذ أقبلت فاطمة بنت أسد أُمّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وكانت حاملة به لتسعة اشهر وقد أخذها الطلق ، فقالت : يا ربّ ، إنّي مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رُسل وكُتب ، وإنّي مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم الخليل ( عليه السلام ) وإنّه بنى البيت العتيق ، فبحقّ الّذي بنى هذا البيت ، وبحقّ المولود الّذي في بطني إلاّ ما يسّرت عليَّ ولادتي . قال يزيد بن قعيب : فرأيتُ البيت قد انشقَّ عن ظهره . ودخلت فاطمة فيه ، وغابت عن أبصارنا وعاد إلى حاله والتزق الحائط فرمنا أن ينفتح لنا قفل الباب فلم ينفتح ، فعلمنا أنّ ذلك من أمر لله عزّوجلّ ثمّ خرجت في اليوم الرابع وعلى يدها أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) ثمّ قالت : إنّي فضّلت على من تقدّمني من النساء ، لأنّ آسية بنت مزاحم عبدت الله عزّوجلّ سراً . . . وإنّي دخلت بيت الله الحرام فأكلت من ثمار الجنة وأرزاقها [ أوراقها ] فلمّا أردت أن أخرج هتف بي هاتف : يا فاطمة سمّيه عليّاً ، فهو عليّ والله العليّ الأعلى يقول : إنّي شققت اسمه من اسمي ، وأدّبته بأدبي . . . الحديث طويل . ( راجع كشف الغمّة باب المناقب : 1 / 82 ، والبحار : 35 / 8 و 17 ، المناقب لابن شهرآشوب : 2 / 174 ) .