وروى الإمام أبو الحسين البغوي [1] في تفسيره [2] يرفعه بسنده إلى ابن عبّاس رضي الله عنهما قال : لمّا نزل قوله تعالى : ( قُل لاَّ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى ) [3] قالوا : يا رسول الله مَن هؤلاء الّذين أمرنا الله بمودّتهم ؟ قال : عليّ وفاطمة وابناها [4] .
[1] الإمام أبو محمّد الحسين بن مسعود الفرّاء البغوي ، صاحب " مصابيح السُنّة " في الحديث ، و " معالم التنزيل في التفسير و التأويل " . توفّي سنة ( 510 ه ) وقيل ( 516 ه ) كما جاء في كتابه مصابيح السنّة تحقيق د . يوسف بن عبد الرحمن المرعشلي ومحمّد سليم سماره وجمال حمدي الذهبي دار المعرفة ( 1407 ه ) وكما جاء أيضاً في تحقيق خالد عبد الرحمن العكّ و مروان سوار ط دار المعرفة بيروت . ( انظر الأعلام للزركلي : 2 / 259 ) . [2] معالم التنزيل للبغوي الشافعي : 4 / 124 و 125 و 126 إعداد وتحقيق خالد عبد الرحمن العَكّ ومروان سوَار ط دار المعرفة بيروت ط سنة ( 1415 ه - 1995 م ) . [3] الشورى : 23 . [4] في ( أ ) : وابناهما . أقول : اختلفت الأقوال وتضاربت الآراء في تأويل معنى القربة في هذه الآية الكريمة . وعند مراجعتنا للمصادر التاريخية والحديثية والتفسيرية نرى أنّ الآراء قد أجمعت بأنّ المراد من القربة هم أهل الكساء المطهّرون : عليّ وفاطمة والحسنان . كما جاء في تفسير الكشّاف للزمخشري : 4 / 219 - 220 ط منشورات البلاغة قم ، وفتح القدير للشوكاني : 4 / 534 . وأورد حديثاً في سبب النزول أخرجه ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن ابن عباس قال : لمّا نزلت ( قُل لاَّ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى ) قالوا : يا رسول الله مَن هؤلاء الّذين أمرنا الله بمودّتهم ؟ قال : عليّ و فاطمة وولدها . وفي رواية أخرى و " وولدهم " . وقيل : قال : عليّ وفاطمة و الحسن والحسين . وقد أجمع الجمهور على ذلك ما عدا ابن كثير في تفسيره : 4 / 112 فقد أَسقط ذكر الإمام عليّ ( عليه السلام ) لأنه نقل الحديث عن ابن أبي حاتم ، ولكن عند المراجعة تبيّن أنّ ابن أبي حاتم لم يسقط الاسم بل ثبت اسم عليّ ( عليه السلام ) في تفسيره للآية ناقلا الحديث عن سعيد بن جبير عن ابن عباس . ولسنا بصدد مناقشة ذلك ولا مناقشة وجوب المودّة الّتي تستلزم وجوب الطاعة ، وجوب مودّة آل البيت ( عليهم السلام ) كوجوب مودّة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) بهذه الآية وبآية المباهلة على سبيل المثال لاَ الحصر أو أنّ الآية منسوخة أم لاَ ؟ أم أنها نزلت بمكة أم بالمدينة ؟ فمن شاء التثبّت فليراجع المصادر والأحاديث الّتي نشير إليها ، وهي : فرائد السمطين للجويني : 1 / 20 ، و : 2 / 13 / 359 ، شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني : 2 / 130 ح 822 - 828 و 830 - 834 و 838 ، غاية المرام : 306 وقد ذكر شواهد كثيرة بهذا الخصوص ، تفسير فرات الكوفي : 145 وقد ذكر شواهد كثيرة ، فضائل الخمسة : 1 / 250 و 259 و 262 عن الصواعق وعن كنز العمّال : 1 / 208 وهي شواهد كثيرة ، خصائص الوحي المبين : 54 الطبعة الأُولى و 58 الطبعة الثانية . وانظر أيضاً حلية الأولياء : 3 / 201 عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : لمّا نزلت ( قُل لاَّ أَسْئَلُكُمْ . . . ) قالوا : يا رسول الله أيّ قرابتك [ هؤلاء ] الّذين افترض الله علينا مودتّهم ؟ قال : عليّ وفاطمة وولدهم . يقولها ثلاث مرّات ، ومثله في كتابه المناقب : 29 ح 62 و 69 أو في حديث 824 من الشواهد للحاكم قال ( صلى الله عليه وآله ) : عليّ وفاطمة وولدها . يردّدها ، الطبري في كتابه الولاية كما رواه عنه القاضي النعمان المصري ح 73 . ورواه الطبراني المعجم الكبير ( ترجمة الإمام الحسن ( عليه السلام ) ) : 1 / 125 تحت الرقم 2641 ، و : 3 / 139 الطبعة الأُولى وكذلك في ترجمة عبد الله بن عباس : 3 / 152 ، مجمع الزوائد : 7 / 103 و 9 / 146 و 168 ، كفاية الطالب للحافظ الكنجي : 90 و 91 و 93 و 313 و 317 ط الحيدرية وفي هامشه عن الكشّاف : 2 / 339 ، ذخائر العقبى : 25 ، نور الأبصار : 101 ، الصواعق المحرقة : 101 و 135 و 136 ط الميمنية بمصر ، و ص 168 و 225 ط المحمدية ، القول الفصل لابن طاهر الحدّاد : 1 / 474 و 480 و 482 ط جاوا ، ردّاً على من قال إنّ هذه الآية منسوخة وإنّها نزلت بمكة . وانظر أيضاً تفسير جامع البيان للطبري : 11 / 144 ط دار الكتب العلمية بيروت ، تفسير النيسابوري بهامش جامع البيان : 24 / 35 القول الرابع عن سعيد بن جبير وساق الحديث ، شرح المواهب للزرقاني : 7 / 3 و 21 ، إسعاف الراغبين للصبّان في هامش نور الأبصار : 105 ، الشرف المؤبّد لآل محمّد للنبهاني : 146 ط الحلبي . ورواه السيّد عبد الله بن حمزة في كتاب الشافي : 1 / 72 و 90 و 158 ، الفضائل لأحمد : 187 ح 263 ، ورواه الثعلبي في تفسير الآية من تفسير الكشف والبيان : 4 / 328 ، ورواه البحراني في غاية المرام : 306 ح 4 ، المناقب لابن المغازلي : 1307 ح 352 ، ورواه الطبرسي بحذف السند : 9 / 29 ، المواهب اللدنية للعسقلاني الشافعي : 7 / 3 ط الأزهرية بمصر ، الكاف الشاف لابن حجر العسقلاني : 145 ط مصر ، الإكليل للسيوطي : 190 ط مصر ، مفتاح النجا للبدخشي : 12 ( مخطوط ) . وراجع كذلك نظم درر السمطين للزرندي : 147 - 148 عن أبي الطفيل وجعفر بن حبّان قال : خطب الحسن بن عليّ ( رضي الله عنه ) بعد وفاة أبيه قال : أيها الناس أنا ابن البشير ، وأنا ابن النذير . . . إلى آخر الخطبة والّتي ذكرها الشيخ الطوسي في أماليه : 2 / 174 وما بعدها ، والكليني في الكافي : 8 / 310 ، وعنه غاية المرام : 330 باب 32 / 2 . صحيح البخاري : 6 / 37 ، الفضائل لأحمد : 2 / 669 / 1141 ، نهج الحق : 175 ، حقّ اليقين للسيّد شبّر : 1 / 270 ، الخصائص لابن البطريق : 88 ، كشف المراد : 418 ، البحر المحيط لابن حبّان : 7 / 156 ط مصر ، رشفة الصادي لأبي بكر العلوي الحضرمي الشافعي : 22 ط القاهرة . ولاحظ الصواعق المحرقة : 169 . عبقات الأنوار : 1 / 285 ، الأنوار المحمّدية للنبهاني : 434 ، إحقاق الحقّ للتستري : 3 / 2 - 22 ، و : 9 / 92 - 101 ط طهران ، تفسير النسفي : 4 / 105 ، حلية الأولياء : 3 / 201 ، الغدير للشيخ الأميني : 2 / 306 ، الدرّ المنثور للسيوطي : 6 / 7 ، فتح البيان في مقاصد القرآن لصدّيق حسن خان : 8 / 372 . وراجع أيضاً تفسير البيضاوي : 4 / 123 . تفسير القرطبي : 16 / 22 ، تفسير الفخر الرازي : 27 / 166 ط عبد الرحمن محمّد ، ورواه ابن مردويه كما رواه عنه السيوطي في : 15 / 24 من كتاب جمع الجوامع : 2 / 194 ، رواه الدولابي في الذرّية الطاهرة : 22 / 118 ، مقاتل الطالبيين : 57 ، ترجمة الإمام الحسن ( عليه السلام ) ، ورواه البلاذري من كتابه أنساب الأشراف : 2 / 79 و 754 / 361 ، مطالب السؤول لابن طلحة الشافعي : 8 ط طهران و 1 / 21 ط النجف ، مقتل الحسين للخوارزمي الحنفي : 1 / 1 و 57 . وانظر أيضاً تفسير الطبري : 25 / 25 ط مصطفى الحلبي بمصر و 14 و 15 ط الميمنية بمصر ، الإتحاف للشبراوي الشافعي : 5 و 13 ، احياء الميت للسيوطي الشافعي بهامش الإتحاف : 110 ، تفسير الكشّاف للزمخشري : 3 / 402 ، و : 4 / 220 ط بيروت . وإليك بعض ألفاظ الأحاديث الّتي نقلها المؤرّخون على سبيل المثال لاَ الحصر . فقد روى الشيخ الطوسي في تفسيره بإسناده عن عبد الله بن عباس ، قال : إنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حين قدم المدينة واستحكم الإسلام قالت الأنصار فيما بينها : نأتي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فنقول له : إن تَعرُك أُمور فهذه أموالنا تحكم فيها غير حرج ولا محظور عليك ، فأتوه في ذلك فنزلت ( قُل لاَّ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى ) فقرأها عليهم وقال : تودّون قرابتي من بعدي . فخرجوا من عنده مسلّمين لقوله . فقال المنافقون : إنّ هذا لشيء افتراه في مجلسه ، أراد بذلك أن يذلّلنا لقرابته من بعده فنزلت ( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ) . فأرسل إليهم فتلاها عليهم فبكوا واشتدّ عليهم فأنزل الله ( وهُوَ الَّذِى يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ ) . فأرسل في أثرهم فبشّرهم وقال : ( وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُواْ ) وهم الّذين سلّموا لقوله . ثمّ قال سبحانه ( وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُو فِيهَا حُسْنًا ) أي مَن فعل طاعة نزد له في تلك الطاعة حُسناً بأن يوجب له الثواب ( مجمع البيان : 9 / 29 ) . وروى الزمخشري في تفسيره : وقيل : أتت الأنصار رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بمال جمعوه وقالوا : يا رسول الله ، خذ فالله هدانا بك ، وأنت ابن أختنا ، وتعروك نوائب وحقوق ومالك سعة فاستعن بهذا على ما ينوبك ، فنزلت الآية ( قُل لاَّ أَسئَلُكُمْ . . . ) وردّه - أي المال - . ( الكشّاف : 3 / 468 ) . وقال عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي عن ابن أبي نجران عن عاصم بن حميد عن محمّد بن مسلم . قال : سمعت أبا جعفر ( عليه السلام ) يقول في قول الله ( قُل لاَّ أَسئَلُكُمْ . . . ) يعنى في أهل بيته . قال : جاءت الأنصار إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقالوا : إنّا قد آوينا ونصرنا فخذ طائفة من أموالنا فاستعن بها على ما نابك ، فأنزل الله ( قُل لاَّ أَسْئلُكُم . . . ) يعني في أهل بيته . قال : فانصرفوا من عنده وبعضهم يقول : عرضنا عليه أموالنا ، فقال : قاتلوا عن أهل بيتي من بعدي . وقالت طائفة : ما قال هذا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وجحدوه وقالوا كما حكى الله ( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا . . . ) فقال الله : ( فَإِن يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ . . . ) قال : لو افتريت ( وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَطِلَ . . . ) يعنى يبطله ( ويُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَتِهِ . . . ) يعني بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) وبالائمّة والقائم من آل محمّد ( إِنَّهُ عَلِيمُم بِذَاتِ الصُّدُورِ ) ثمّ قال : ( وهُوَ الَّذِى يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِى . . . ) إلى أن قال : جاءت الأنصار إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقالوا : إنّا قد نصرنا وفعلنا فخذ من أموالنا ما شئت ، فأنزل الله ( قُل لاَّ أَسئَلُكُمْ . . . ) ، ( تفسير القمّي : 2 / 275 ) . ومثل ذلك في الكشّاف للزمخشري : 3 / 467 ، وانظر تفسير الآيات 24 - 27 من سورة الشورى و 21 من سورة الرعد . وقد أورد بعض النواصب والحاقدين والمأجورين : أنّ الاستثناء في الآية منقطع و المعنى يكون : لا أسألكم على تبليغ الرسالة أجراً ، لكن المودّة في القربى حاصلة بيني وبينكم ، ولذا أسعى وأجتهد في هدايتكم وتبليغ الرسالة إليكم . وقال البعض الآخر : الاستثناء متّصل ولذا يكون المعنى : لاَ أسألكم عليه أجراً من الأُجور إلاّ مودّتكم في قرابتي ، وهذا شامل لجميع قرابات النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) ولو خصّص بأهل البيت لاَ يدلّ على خلافة الإمام عليّ ( عليه السلام ) بل يدل على وجوب مودّته . - انظر تفسير الكشّاف للزمخشري : 3 / 466 ، الإحقاق : 3 / 19 وغيرهما ) . والجواب باختصار شديد لأننا لسنا بصدد المناقشة بل الفرض هو التحقيق وبيان بعض الملابسات : 1 - انّ الاستثناء المنقطع مجاز واقع على خلاف الأصل ، ولا يحمل على المنقطع إلاّ لتعذّر المتّصل ، وقد صرّح بذلك العضدي حيث قال : واعلم أنّ الحقّ إنّ المتصل أظهر فلا يكون مشتركاً ولا للمشترك ، بل حقيقة فيه ومجاز في المنقطع ولذلك لاَ يحمله علماء الأمصار على المنفصل إلاّ عند تعذّر المتصل ، حتّى عدلوا للحمل على المتصل عن الظّاهر ، وخالفوه ، ومن ثمّ قالوا في قوله : له عندي مائة درهم إلاّ ثوباً ، وله عليَّ إبل إلاّ شاة ، معناه إلاّ قيمة ثوب أو قيمة شاة ، فيرتكبون الإضمار وهو خلاف الظاهر ليصير متصلا ، ولو كان في المنقطع ظاهراً لم يرتكبوا مخالفة ظاهر حذراً عنه ، انتهى كلامه . 2 - ودفع الايراد الثاني : انّ كون ظاهر الآية على هذا المعنى شاملا لجميع قربات النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) فمسلّم لكنّ الحديث الصحيح الّذي يبلغ حدّ التواتر خصّصها بعلي وفاطمة وابنيهما ( عليهم السلام ) كما ذكرنا سابقاً . 3 - انّه لاَ يدل على خلافة الإمام عليّ ( عليه السلام ) فهذا عناد وجهل أو تجاهل أنّ مودّتهم واجبة حيث جعل الله تعالى أجر الرسالة بما يستحقّ به الثواب الدائم مودّة ذوي القربى ، وإنّما تجب ذلك مع عصمتهم ، إذ مع وقوع الخطأ منهم يجب ترك مودّتهم لقوله تعالى ( لاَّ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الأَخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) المجادلة : 22 . وغير عليّ ( عليه السلام ) ليس بمعصوم بالاتفاق ، فتعيّن أن يكون هو الإمام ( عليه السلام ) . ( انظر تفسير الميزان : 18 / 43 - 48 ، والإحقاق : 3 / 21 ) .