ثم قال عمر : يا خليفة رسول الله . أرى أن عدد هذا الجيش أقل من أن يواجه الروم فاكتب إلى أهل اليمن ترغبهم في امدادهم . فوافق الصديق على ذلك وكتب إلى أهل اليمن يدعوهم إلى المشاركة في حرب الروم [1] . وحين وصلت الرسالة فأجابوا دعوته وأسرع أربعة آلاف فارس بقيادة قيس بن هبيرة المرادي نحو المدينة . فأثنى أبو بكر عليهم . ثم اتجه الجميع نحو مقصدهم وقد شيعهم أبو بكر راجلا مسافة خارج المدينة . فقال له يزيد : يا خليفة رسول الله إما أن تركب وإما أن نترجل . فقال أبو بكر : إنني ما سرت إلا ابتغاء مرضاة الله واستمر كذلك حتى ثنية الوداع ثم قال ليزيد : يا يزيد اجتهد ما استطعت ، وإياك والجزع ، واعلم بأنك ذاهب إلى أرض العدو فيها كثير ، والنعم وافرة ، فلا تغفلن عن ذكر الله بأي حال . ولتكن معه بقلبك . إياكم وقتل النساء والأطفال ولا تقلعوا نخلا ولا شجرة وحاذر من قتل الشيوخ والأطفال . ولا تقتل أحدا بدون علة . ولا تخربوا عامرا . كي ينصركم الله . الذي هو على كل شيء قدير [2] . ثم رفع أبو بكر يديه بالدعاء وتوجه للقبلة وقال [3] : يا رب لقد خلقتنا من العدم وأبلغت إلينا رسالتك على لسان رسولك محمد صلى الله عليه وسلم حتى تفقهنا في هذا الدين ، وقد رغبنا بالجنة ، وحذرنا من النار ، وقد هدانا بعد الضلالة فصرنا مؤمنين بعدما كنا غارقين في الكفر . ففضلك علينا عظيم جدا ، كنا مفترقين فاجتمعنا بلطفك ، وقد أمرتنا بإظهار دينك وإعلاء كلمتك حتى يدخل الناس في هذا الدين ، أو يؤدوا الجزية عن يد وهم صاغرون . والآن ها نحن في سبيلك سائرون ، ولرضاك طالبين ، نجاهد من لا يعرفك ، أو يشرك بك يا إلهي كن للمؤمنين بك عونا وسندا ، وأهلك عدونا . واجعل أمة محمد جريئة عليهم وثبت أقدام المترددين منا ، وزلزل الأرض تحت أقدام عدونا ، وألق الرعب في قلوبهم ، وارزقنا أرضهم وديارهم يا إلهي يا قادر ويا رحمن .
[1] نسخة الكتاب في فتوح الأزدي ص 8 والوثائق السياسية وثيقة رقم 302 / الف ص 396 . وأرسل الكتاب مع أنس بن مالك ( الأزدي ص 9 ) . [2] انظر وصية أبي بكر ليزيد بن أبي سفيان فتوح الأزدي ص 12 وفتوح الشام للواقدي 1 / 7 - 8 والكامل لابن الأثير 2 / 64 - 65 . [3] في فتوح الأزدي ص 13 : كان أبو بكر - رحمة الله عليه - يدعو في كل يوم غدوة وعشية في دبر صلاة الغداة وبعد العصر يقول : وفيه نسخة الدعاء باختلاف في الالفاظ والتعابير .