فأخذوهم وجاؤوا بهم إلى خالد بن الوليد حتى أوقفوهم بين يديه ، فقال لهم خالد : يا بني حنيفة ! ما تقولون في صاحبكم مسيلمة ؟ فقالوا : نقول إنه شريك محمد في نبوته ، فقال رجل يقال له سارية بن عامر [1] : يا أبا سليمان ! ولكني لا أقول ذلك ، قال خالد : يا مجاعة [2] ! ما تقول فيما يقول أصحابك هؤلاء ؟ فقال مجاعة : أقول إني قدمت المدينة وبها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم وآله ) فآمنت به وصدقته أنا وصاحبي هذا سارية بن عامر ، لا والله ما غيرنا ولا بدلنا ! غير أنه لم يكن لنا بد من مداراة مسيلمة خوفا على أنفسنا وأموالنا وأولادنا ، فقال له خالد بن الوليد : فاعتزل أنت وصاحبك هذا ناحية من هؤلاء الكفار . ثم قدم خالد بقية القوم فضرب أعناقهم صبرا ، ثم عمد إلى مجاعة فقال مجاعة : أيها الأمير ! إني لم أزل مسلما وأنا اليوم على ما كنت عليه أمس وقد عجلت على هؤلاء القوم بالقتل وأنا والله خائف على نفسي منك ! ولكن أيها الأمير إن كان رجل كذاب خرج بين أظهرنا فادعى ما ادعى فليس يجب عليك أن تأخذ البرئ بأمر السقيم ، فإن الله تبارك وتعالى يقول : ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) [3] ، قال : فسكت عنه خالد ولم يكلمه بشئ . قال : ثم أقبل عليه سارية بن عامر فقال : أيها الأمير ! من خاف سيفك رجا عدلك ومن رجا عدلك رجا أمانا منعما ، وخفتك ورجوتك وأنا بحمد الله على دين الإسلام ، ما غيرت ولا بدلت ، فإن أردت أن نسأل لك أمر بني حنيفة فاستبقني واستبق هذا الشيخ فإنه سيد أهل اليمامة ولا تؤاخذونا بما كان منا ومن تخلفنا عنك والسلام ، قال خالد : فإني عفوت عنكما ولكن أقيما في عسكري ولا تبرحا حتى أنظر ما ينصرم أمري وأمر بني حنيفة ، ثم أمر خالد بمجاعة وسارية فأطلقهما من حديدهما .
[1] في الإصابة : سارية بن عمرو الحنفي . [2] هو مجاعة بن مرارة بن سلمى وقيل سليم بن زيد بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدؤل بن حنيفة الحنفي اليمامي من رؤساء بني حنيفة . وفيه يقول شاعر بني حنيفة : ومجاع اليمامة قد أتانا * يخبرنا بما قال الرسول فأعطيناه المقادة واستقمنا * وكان المرء يسمع ما يقول وقد أنشد مجاعة يعبر عن تخوفه من خالد بعد ما أسر : أترى خالدا يقتلنا اليو * م بذنب الأصغر الكذاب لم يدع ملة النبي ولا نحسن * رجعنا فيها على الأعقاب قال المرزباني : وبقي إلى خلافة معاوية . [3] سورة الأنعام : 164 والاسراء : 15 وفاطر : 18 والزمر : 17 .