فيهم ولا تشتم أعراضهم ولا تضرب أبشارهم [1] ووقر كبيرهم ولا تحقر صغيرهم ، وكن للحق تابعا فإنه إن بلغني عنك ما أحب فكن بعزمك مني ما تحب ، فقال سويد بن الصامت : يا أمير المؤمنين ! قد أوصيتني فسمعت وأنا أوصيك فاسمع ! فقال عمر : هات ما بدا لك يا سويد ! فقال سويد [2] : خف الله عز وجل في الناس ولا تخف الناس في الله ، وأحبب لقريب المسلمين وبعيدهم ما تحبه لنفسك [3] ، وألزم الخصم الحجة يكفيك الله عز وجل همك ، ويعينك على ما أولاك ، ولا تقض في أمرك بقضاء فتلبس الحق بالباطل ويشتبه عليك الامر ، وخض الغمرات [4] حيث كانت ، ولا يأخذك في الله لومة لائم . فقال عمر : ويحك يا سويد ! من يستطيع هذا العمل ؟ قال : يستطيعه من وضع الله في عنقه مثل الذي وضعه في عنقك [5] . قال : ثم نادى سويد بن الصامت هذا في الناس فقال : تهيئوا للمسير إلى إخوانكم المسلمين بأرض الشام ، فأما أن تدلجوا وإما أن تصلوا وترحلوا فإني راحل إن شاء الله ولا قوة إلا بالله . قال : وسار سويد بن الصامت في هؤلاء الثلاثة آلاف حتى قدم على أبي عبيدة بن الجراح قبل أن يقدم عليه كتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فسر المسلمون بقدوم سويد بن الصامت عليهم سرورا شديدا ، فصار أبو عبيدة في ثلاثة وأربعين ألفا . وبلغ ذلك ماهان صاحب الجيش فأرسل إلى بطارقته ورؤساء أصحابه ثم قال [6] : يا معشر ولد الأصفر ! اعلموا أن هؤلاء القوم قد نزلوا بلادكم وركبوا دوابكم وأكلوا من طعامكم ولبسوا لباسكم ، فالموت عليهم أيسر من أن يفارقوا ما قد تطمعوا به من عيشكم الرفيع ودنياكم التي لم يروا مثلها ، واعلموا أنكم إنما بليتم بهؤلاء
[1] بالأصل : أيشارهم ، وما أثبتناه عن فتوح الأزدي ، والابشار جمع بشر بالفتح وهو الانسان ذكرا أو أنثى . [2] فتوح الأزدي ص 186 . [3] زيد عند الأزدي : وأكره لقريب المسلمين وبعيدهم ما تكره لنفسك وأهل بيتك . [4] عند الأزدي : خض الغمرات إلى الحق حيث علمته . [5] زيد عند الأزدي : فهو جدير عليك ألا تفعل ، إنما عليك أن تأمر فيطاع أو يعصى ، فتبوء بالحجة ، ويبوء القوم بالمعصية . [6] انظر مقالته في فتوح الأزدي ص 174 باختلاف النص .