ويحكم ! ما بالكم منهزمين ؟ فقال رجل منهم : أنا أخبرك يا أبا عامر : لم لا ننهزم ؟ نحن قوم نقاتل ونريد البقاء وهؤلاء قوم يقاتلون ويحبون الفناء . قال : فقالت نوار امرأة طليحة : أما إنه لو كانت لكم نية صادقة لما انهزمتم عن نبيكم ! فقال لها رجل منهم : يا نوار ! لو كان زوجك هذا نبيا حقا لما خذله ربه . قال : فلما سمع طليحة ذلك صاح بامرأته : ويلك يا نوار ! اقتربي مني فقد اتضح الحق وزاح الباطل . قال : ثم استوى طليحة على فرسه وأردف امرأته من ورائه ومر منهزما مع من انهزم [1] ، واحتوى خالد ومن معه من المسلمين على غنائم القوم وعامة نسلهم وأولادهم . قال : فجمع خالد غنائم القوم فوكل نفرا من المسلمين يحفظونها ، ثم خرج في طلب القوم يتبع آثارهم حتى وافاهم بباب الأجرب [2] فاقتتلوا قتالا شديدا ، فأسر عيينة بن حصن الفزاري وأسر معه جماعة من بني عمه ، وأفلت طليحة بن خويلد فمر هاربا على وجهه نحو الشام حتى صار إلى بني جفنة [3] فلجأ إليهم واستجار بهم فأجاروه . قال : ثم جمع خالد الأسارى بأجمعهم من بني أسد وغطفان وفزارة وعزم أن يوجه بهم إلى أبي بكر رضي الله عنه . ذكر الأسارى الذين وجه بهم خالد بن الوليد إلى أبي بكر وما كان من أمرهم قال : ثم أمر خالد بالمجامع فوضعت في أعناق هؤلاء الأسارى [4] ووجه بهم مع الغنائم إلى المدينة ، فلما أشرفت الغنائم على المدينة خرج الناس ينظرون إلى الأسارى ، فإذا هم بعيينة بن حصن على بعير ويده مجموعة إلى عنقه ، [5] ، فجعل المسلمون يشتمونه ويلعنونه وهو ساكت لا ينطق بشئ ، قال : وجعل أهل المدينة ينخسونه بالعسبان [6] ويقولون له : يا عدو الله ! أكفرت بعد إيمانك وقاتلت المسلمين ؟ قال : فأشرف عليهم من فوق البعير فقال : والله ما آمن ذلك الرجل بالله
[1] العبارة في الطبري : وقال ( لأصحابه ) : من استطاع منكم أن يفعل مثل ما فعلت وينجو بأهله فليفعل . ثم سلك الحوشية حتى لحق بالشام وارفض جمعه . [2] الأجرب : اسم موضع يذكر مع الأشعر من منازل جهينة بناحية المدينة . [3] في تاريخ اليعقوبي : لحق طليحة بالشام وجاور بني حنيفة . [4] كانوا ثلاثين أسيرا وعيينة بن حصن ( اليعقوبي 2 / 129 ) . [5] عند اليعقوبي : وهو مكبل بالحديد . [6] العسبان جمع عسيب وهو جريدة من النخل مستقيمة دقيقة يكشط خوصها ( اللسان ) وفي الطبري : ينخسه غلمان المدينة بالجريد .