خبر القليس مع الفيل وذكر بنيان أبرهة للقليس وهو الكنيسة التي أراد أن يصرف إليها حج العرب ، وسميت هذه الكنيسة : القليس لارتفاع بنائها وعلوها ، ومنه القلانس لأنها في أعلى الرؤوس ، ويقال : تقلنس الرجل وتقلس إذا لبس القلنسوة ، وقلس طعاماً أي : ارتفع من معدته إلى فيه ، وكان أبرهة قد استذل أهل اليمن في بنيان هذه الكنيسة ، وجشمهم فيها أنواعاً من السخر ، وكان ينقل إليها العدد من الرخام المجزع ، والحجارة المنقوشة بالذهب من قصر بلقيس صاحبة سليمان عليه السلام وكان في موضع هذه الكنيسة على فراسخ ، وكان فيه بقايا من آثار ملكها ، فاستعان بذلك على ما أراده في هذه الكنيسة من بهجتها وبهائها ، ونصب فيها صلباناً من الذهب والفضة ، ومنابر من العاج والآبنس ، وكان أراد أن يرفع في بنائها حتى يشرف منها على عن ، وكان حكمه في العامل إذا طلعت عليه الشمس قبل أن يأخذه في عمله أن يقطع يده ، فنام رجل منهم ذات يوم ، حتى طلعت الشمس ، فجاءت معه أمه ، وهي امرأة عجوز ، فتضرعت إليه تستشفع لابنها ، فأبى إلا أن يقطع يده ، فقال : اضرب بمعولك اليوم ، فاليوم لك ، وغداً لغيرك ، فقال : ويحك ما قلت ! ؟ فقال : نعم كما صار هذا الملك من غيرك إليك ، فكذلك يصير منك إلى غيرك ، فأخذته موعظتها ، وأعفى الناس من العمل فيما بعد . فلما هلك ومزقت الحبشة كل ممزق ، وأقفر ما حول هذه الكنيسة ، فلم يعمرها أحد ، وكثرت حولها السباع والحيات ، وكان كل من أراد أن يأخذ شيئاً منها أصابته الجن ، فبقيت من ذلك العهد بما فيها من العدد والخشب المرصع بالذهب والآلات المفضضة التي تساوي قناطير من المال ، لا يستطيع أحد أن يأخذ منها شيئاً إلى زمن أبي العباس ، فذكر له أمرها ، وما يتهيب من جنها وحياتها ، فلم يرعه ذلك . وبعث إليها بابن الربيع عامله على اليمن معه أهل الحزم والجلادة ، فخربها ، وحصلوا منها مالاً كثيراً ببيع ما أمكن بيعه من رخامها وآلاتها ، فعفا بعد ذلك رسمها ، وانقطع خبرها ، ودرست آثارها ، وكان الذي يصيبهم من الجن ينسبونه إلى كعيب وامرأته صنمين كانت الكنيسة عليهما ، فلما كسر كعيب وامرأته أصيب الذي كسرة بجذام فافتتن بذلك رعاع اليمن وطغامهم ، وقالوا : أصابه كعيب ، وذكر أبو الوليد الأزرقي أن كعيباً كان من خشب طوله : ستون ذراعاً . النسيء والنسأة وذكر النسأة والنسيء من الأشهر . فأما النسأة فأولهم : القلمس ، واسمه : حذيفة بن عبد بن فقيم ، وقيل له : القلمس لجوده ، إذ القلمس من أسماء البحر ، وأنشد قاسم بن ثابت : إلى نضدٍ من عبد شمس ، كأنهم * هضاب أجا أركانه لم تقصّف قلامسة ساسوا الأمور فأُحكمت * سياستها حتى أقرّت لمردف