وقيل : بل أرسلت عليه ريح كتعت منه يديه ورجليه ، وأصابتهم ظلمة شديدة حتى دفت خيلهم ، فسمي ذلك المكان : الدف ، فدعا بالحزاة والأطباء ، فسألهم عن دائه ، فهالهم ما رأوا منه ، ولم يجد عندهم فرجاً . فعند ذلك قال له الحبران : لعلك هممت بشيء في أمر هذا البيت ، فقال : نعم أردت هدمه . فقالا له : تب إلى الله مما نويت فإنه بيت الله وحرمه ، وأمراه بتعظيم حرمته ففعل فبرئ من دائه ، وصح من وجعه . وأخلق بهذا الخبر أن يكون صحيحاً فإن الله سبحانه يقول : « وَمَنْ يُرِدْ فيه بإلحاد بظلم نُذِقْهُ مِنْ عذاب أليم » الحج . أي : ومن يسهم فيه بظلم . والباء في قوله : بظلم تدل على صحة المعنى ، وأن من هم فيه بالظلم وإن لم يفعل عذب تشديداً في حقه وعظيماً لحرمته ، وكما فعل الله بأصحاب الفيل أهلكهم قبل الوصول إليه . كسوة البيت : وقوله : فكسا البيت الخصف . جمع : خصفة ، وهي شيء ينسج من الخوص والليف ، والخصف أيضاً : ثياب غلاظ . والخصف لغة في الخزف في كتاب العين . والخصف بضم الخاء وسكون الصاد هو : الجوز . ويروى أن تبعاً لما كسا البيت المسوح والأنطاع . انتفض البيت فزال ذلك عنه ، وفعل ذلك حين كساه الخصف ، فلما كساه الملاء والوصائل قبلها . وممن ذكر هذا الخبر : قاسم في الدلائل . وأما الوصائل فثياب موصلة من ثياب اليمن . واحدتها : وصيلة . وقوله : ولا تقربوه بمئلات ، وهي : المحائض . لم يرد النساء الحيض ؛ لأن حائضاً لا يجمع على محائض ، وإنما هي جمع محيضة ، وهي خرقة المحيض ، ويقال للخرقة أيضاً مئلاة ، وجمعها : المآلي قال الشاعر : كأن مصفّحاتٍ في ذراه * وأنواحاً عليهنّ المآلي وهي هنا خرق تمسكهن النواحات بأيديهن ، فكان المئلات كل خرقة دنسة لحيض كانت ، أو لغيره وزنها مفعلة من ألوت : إذا قصرت وضيعت ، وجعلها صاحب العين في باب الإلية والألية ، فلام الفعل عنده ياء على هذا ، والله أعلم ، ويروى في هذا الموضع : مئلاثاً بثاء مثلثة ، ومن قوله حين كسا البيت : وكسونا البيت الذي حرّم اللّه * ملاءً معضّداً وبرودا فأقمنا به من الشهر عشراً * وجعلنا لبابه إقليدا ونحرنا بالشّعب ستّة ألفٍ * فترى الناس نحوهنّ ورودا ثم سرنا عنه نؤمّ سهيلاً * فرفعنا لواءنا معقودا