قال المؤلف : وبيت مطرود أقوى في الحجة من بيت أبي الأسود الدؤلي ، لأنه جاهلي محكك ، وأبو الأسود : أول من صنع النحو ، فشعره قريب من التوليد ، ولا يمتنع في القياس أيضاً أن يقال : شجي وشج ، لأنه في معنى : حزن وحزين ، وقد قيل : من شدد الياء ، فهو فعيل بمعنى مفعول . وفيه بعد قوله : أبا الشعث الشجيات . يبكينه حسراً مثل البليات . البلية : الناقة التي كانت تعقل عند قبر صاحبها إذا مات ، حتى تموت جوعاً وعطشاً ، ويقولون : إنه يحشر راكباً عليها ، ومن لم يفعل معه هذا حشر راجلاً ، وهذا على مذهب من كان منهم يقول بالبعث ، وهم الأقل ، ومنهم زهير ، فإنه قال : يؤخّر فيوضع في كتابٍ فيدّخر * ليوم الحساب ، أو يعجّل فينقم وقال الشاعر في البلية : والبلايا رؤوسها في الولايا * ما نحات السّموم حرّ الخدود والولايا : هي البراذع ، وكانوا يثقبون البرذعة ، فيجعلونها في عنق البلية ، وهي معقولة ، حتى تموت ، وأوصى رجل ابنه عند الموت بهذا : لا تتركنّ أباك يحشر مرةً * عدواً يخرّ على اليدين ، وينكب في أبيات ذكرها الخطابي . وقوله : قياماً كالحميات . أي : محترقات الأكباد كالبقر أو الظباء التي حميت الماء وهي عاطشة ، فحمية بمعنى : محمية ، لكنها جاءت بالتاء ، لأنها أجريت مجرى الأسماء كالرمية والضحية والطريدة وفي معنى الحمي قول رؤبة : قواطن مكة من ورق الحمي يريد الحمام ، المحمي ، أي : الممنوع . وقوله : في رمس بموماة : الأظهر فيه أن تكون الميم أصلية ، ويكون مما ضوعفت فاؤه وعينه ، وحمله على هذا الأصل أولى لكثرته في الكلام ، وإن كان أصل الميم أن تكون زائدة ، إذا كانت أول الكلمة الرباعية أو الخماسية ، إلا أن يمنع من ذلك اشتقاق ، ولا اشتقاق ههنا ، أو يمنع من ذلك دخوله فيما قل من الكلام نحو : قلق وسلس . قال أبو علي في المرمر : حمله على باب : قرقر وبربر أولى من حمله على باب : قلق وسلس ، يريد : إنك إن جعلت الميم زائدةً كانت فاء الفعل وهي الراء مضاعفةً دون عين الفعل ، وهي الميم ، وإذا جعلت الميم الأولى في مرمر أصلية ، كان من باب ما ضوعفت فيه الفاء والعين ، وهذا معنى قول سيبويه في المرمر : مر ، وهو القياس المستتب ، والطريق المهيع دون ما ضوعفت فيه الفاء وحدها ، فتأمله . وقوله : طويل الباع ذا فجر . الفجر : الجود ، شبه بانفجار الماء . ويروى ذا فنع ، والفنع : كثرة المال ، وقد قال أبو محجن الثقفي :