وذكر أن قصياً قطع مكة رباعاً ، وأن أهلها هابوا قطع شجر الحرم للبنيان . وقال الواقدي : الأصح في هذا الخبر أن قريشاً حين أرادوا البنيان قالوا لقصي : كيف نصنع في شجر الحرم ، فحذرهم قطعها وخوفهم العقوبة في ذلك ، فكان أحدهم يحوف بالبنيان حول الشجرة ، حتى تكون في منزله . قال : فأول من ترخص في قطع شجر الحرم للبنيان عبد الله بن الزبير حين ابتنى دوراً بقعيقعان ، لكنه جعل دية كل شجرة : بقرةً ، وكذلك يروى عن عمر رضي الله أنه قطع دوحةً كانت في دار أسد بن عبد العزى ، كانت تنال أطرافها ثياب الطائفين بالكعبة ، وذلك قبل أن يوسع المسجد ، فقطعها عمر رضي الله عنه ووداها بقرةً ، ومذهب مالك رحمه الله في ذلك : ألا دية في شجر الحرم . قال : ولم يبلغني في ذلك شيء . وقد أساء من فعل ذلك ، وأما الشافعي رحمه الله فجعل في الدوحة بقرةً ، وفيما دونها شاةً . وقال أبو حنيفة رحمه الله إن كانت الشجرة التي في الحرم مما يغرسها الناس ، ويستنبتونها ، فلا فدية على من قطع شيئاً منها ، وإن كان من غيرها ، ففيه القيمة بالغاً ما بلغت . وذكر أبو عبيد : أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أفتى فيها بعتق رقبةً . قصي تتخذ دار الندوة : وذكر أن قصياً اتخذ دار الندوة ، وهي الدار التي كانوا يجتمعون فيها للتشاور ، ولفظها مأخوذ من لفظ الندي والنادي والمنتدى ، وهو مجلس القوم الذين يندون حوله ، أي : يذهبون قريباً منه ، ثم يرجعون إليه ، والتندية في الخيل . أن تصرف عن الورد إلى المرعى قريباً ، ثم تعاد إلى الشرب ، وهو المندى ، وهذه الدار تصيرت بعد بني عبد الدار إلى حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي ، فباعها في الإسلام بمائة ألف درهم ، وذلك في زمن معاوية ، فلامه معاوية في ذلك ، وقال : أبعت مكرمةً آبائك وشرفهم ، فقال حكيم : ذهبت المكارم إلا التقوى . والله : لقد اشتريتها في الجاهلية بز خمر ، وقد بعتها بمائة ألف درهم ، وأشهدكم أن ثمنها في سبيل الله ، فأينا المغبون ؟ ! ذكر خبر حكيم هذا الدارقطني في أسماء رجال الموطأ له .